استفاق التاريخ من قبره الرخامي الذي وأدناه فيه ، قبو مكلل بورود جفت و أعشاب تحولت إلى أشواك و نحن في كل يوم نحاول تلميع الرخام و ترميم الزوايا المنهارة منه . خرج التاريخ من قبره حاملا ً معه آلة تصوير للزمن ليلتقط بها الصور التي فاتته .
مر بالزقاق الأول فرأى العالم لعبة سهلة بين يدي ساحرتين تملقتا باضطهادهما و تنافستا بتسلطهما فالساحرة الأولى ( أمريكا ) تدعي أنها الأولى لأنها تحاول زرع السلام عن طريق بذر القنابل و الري بالكراهية و التسميد بالخلافات .
أما الثانية ( إسرائيل ) فقد ادعت أنها الأقوى عنفا ً و الأخلص كذبا ً و الأصدق أسلحة . و حول هاتين الساحرتين خرس مستتب و رضا بالذل .
تركهما التاريخ في أحضان أطماعهما و اتجه ليرى شيئا ً أفضل فراعه منظر الشرف العربي و قد دهسته عجلة الواقع و الدماء قد خضبت من حوله من أدباء ، أخوة ، و رجال سمحوا لفتياتهم بالانصياع مع الرذيلة و التألق مع الخطيئة فماتت شيمة الرجال و باعوا شرفهم و عرضهم مقابل الشهرة و المال .
و حين حاول التاريخ الهرب من منظر أولئك الفتيات أطل من نافذة مفتوحة على رقابة اعلامية سمحت (لمتشخلعات ) و عاريات بالظهور أمام الأنام ، مدعيات الفن الذي هو رسالة سامية فماهي رسالتهم أهي بيع الجسد ؟ أم إذلال النفس ؟ أم إغواء الشياطين ؟
وضع يده على عينه مستاء مما يرى فغرقت قدماه ببركة من دم أبرياء سفح على الأرض جراء رصاصات ما عرفت الرحمة و لا أنصفت الحقيقة و صوت النواح و اللطم يهز الأرجاء متعاطفا ً مع استغاثة الثكالى و صرخات الأيتام و احتضارات الجياع .. و ما من مجيب .
أراد التاريخ أن يحل ضيفا ً فما استضافه مخلوق و الكرم قد كان من طباعنا في الماضي سار في الشوارع فرأى مضايقات الشباب و خططهم الكاذبة و الرخيصة للاطاحة بالبريئات و الشيمة كانت تاجنا في الماضي .
نظر في وجوه الناس فقرأ فيها الخوف من بعضهم و اللهفة لاكتساب المال البعد عن العروبة . رأى في سيره السيارات الفاخرة قد أنست العرب الفروسية و الخيل و زاد الضعف الذي يأكلونه كل يوم محا معنى القوة التي فتح بها أجدادهم بلادا ً و بلادا ً . الألسن باتت غريبة ، و الأذن لا تعشق سوى الألحان الأجنبية ، المساجد تنتهك ، الأعراض تستباح ، الرذيلة تستفحل و الناس صامتون بين قبول و خوف .
عاد التاريخ إلى قبره ، دثر نفسه بالتراب بعد أن بكى جمرا ً على ما رآه متمنيا ً أن يظهر من يجعل تاريخ العرب المجيد يعيد نفسه من جديد . عاد و علق على مشجبة الأمل رداء القوة و الصمود لمن هم بحق أبناء العروبة .
</FONT>
توقيع abdo4ever |
منتدياات حد الغربية
|