الخياط والأحذب
كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان في مدينة الصين
رجل خياط مبسوط الرزق يحب اللهو والطرب
وكان يخرج هو وزوجته في بعض الأحيان يتفرجان على مرائب المنتزهات
فخرجا يوماً من أول النهار ورجعا آخره إلى منزلهما عند المساء ،
فوجدا في طريقهما رجل أحدب رؤيته تضحك الغضبان وتزيل الهم والأحزان
فعند ذلك تقدم الخياط هو وزوجته يتقوزان عليه ثم أنهما عزما عليه أن يروح معهما إلى بيتهما
لينادمهما تلك الليلة فأجابهما إلى ذلك ومشى معهما إلى البيت
فخرج الخياط إلى السوق وكان الليل قد أقبل ،
فاشترى سمكاً مقلياً وخبزاً وليموناً وحلاوة يتحلون بها
ثم رجع وحط السمك امـآم الأحدب وجلسوا يأكلون
فأخذت امرأة الخياط جزلة سمك كبيرة ولقمتها للأحدب وسدت فمه بكفها
وقالت والله ما تأكلهما إلا دفعة واحدة في نفس واحد
ولم تمهله حتى يمضغها فابتلعها وكان فيها شوكة قوية فتصلبت في حلقه ،
لأجل انقضاء أجله فمات ،
امرأة الخياط لما لقمت للأحدب جزلة السمك مات لانقضاء أجله
في وقته فقال الخياط: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
هذا المسكين ما كان موته إلا هكذا على أيدينا ،
فقالت المرأة وما هذا التواني ؟
أما سمعت قول الشاعر :
(مالي أعلل نفسي يا حمال على أمر يكون به هـم وأحـزان
ماذا القعود على نار وما خمدت إن القعود في النيران خسران)
فقال لها زوجها : وما أفعله قالت قم واحمله في حضنك
وانشر عليه فوطة حرير وأخرج أنا قدامك وأنت ورائي في هذه الليلة
وقل هذا ولدي وهذه أمه ومرادنا أن نوديه إلى الطبيب ليداويه ،
فلما سمع الخياط هذا الكلام قام وحمل الأحدب في حضنه
وزوجته تقول يا ولدي سلامتك أين محل وجعك
وهذا الجدري كان لك في أي مكان فكل من رآها يقول معهما طفل مصاب بالجدري
ولم يزالا سائرين وهما يسألان عن منزل الطبيب حتى دلوهما على بيت طبيب يهودي ...
فقرعا الباب فنزلت لهما الجارية وفتحت الباب
ونظرت وإذا بإنسان حامل صغير وأمه معه، فقالت الجارية ما خبركم ؟
فقالت امرأة الخياط معنا صغير مرادنا أن ينظره الطبيب ،
فخذي الربع دينار وأعطيه لسيدك ودعيه ينزل ليرى ولدي فقد لحقه ضعف ،
فطلعت الجارية ودخلت زوجة الخياط داخل العتبة
وقالت لزوجها دع الأحدب هنا ونفوز ( ننجو او نهرب ) بأنفسنا
فأوقفه الخياط وخرج هو وزوجته ،
وأما الجارية فإنها دخلت على اليهودي وقالت له في أسفل البيت ضعيف
مع امرأة ورجل وقد أعطياني ربع دينار لك وتصف لهما ما يوافقه...
فلما رأى اليهودي الربع دينار فرح وقام عاجلاً ونزل في الظلام
فأول ما نزل عثرت رجله في الأحدب وهو ميت
فقال يا للعزيز للمولى والعشر كلمات يا لهرون ويوشع بن نون
كأني عثرت ودست في هذا المريض فوقع إلى أسف فمات بسببي
فكيف أخرج بقتيلي من بيتي فحمله وطلع به من حوش البيت إلى زوجته
وأعلمها بذلك فقالت له وما قعودك ههنا فإن قعدت هنا إلى طلوع النهار، راحت أرواحنا
فأنا وأنت نطلع به إلى المطبخ ونرميه في بيت جارنا المسلم
فأن بيته بجانب مطبخ السلطان وكثيراً ما تأتي القطط في بيته
وتأكل مما فيه من الأطعمة والفئران،
وإن استمر فيه ليلة تنزل عليه الكلاب من السطوح وتأكله جميعه
فطلع اليهودي وزوجته وهما حاملان الأحدب وأنزلاه بيديه ورجليه إلى الأرض
وجعلاه ملاصقاً للحائط ثم نزلا وانصرفا
فأتي الجار المسلم وطلع البيت ومعه شمعة مضيئة فوجد ابن آدم واقفاً في الزاوية
فقال ذلك المسلم ما هذا والله إن الذي يسرق حوائجنا ما هو إلا ابن آدم هذا
ثم أخذ مطرقة عظيمة ووكزه بها
ثم ضربها على صدره فوقع فوجده ميتاً فحزن وقال لا حول ولا قوة إلا بالله
وخاف على نفسه وقال لعن الله حوائجنا وهذه الليلة كيف فرغت منية ذلك الرجل على يدي ،
ثم نظر إليه فإذا هو أحدب فقال أما يكفي أنك أحدب ، حتى تكون حرامياً وتسرق
يا ستار استرني بسترك الجميل ثم حمله على أكتافه
ونزل به من بيته في آخر الليل وما زال سائراً به إلى أول السوق ،
فأوقفه بجانب دكان وتركه وانصرف وإذا بنصراني وهو سمسار وخادم السلطان ،
وكان سكران فخرج يريد الحمام ، فما زال يمشي ويتمايل حتى قرب من الأحدب
وكان النصراني دائما يخطفوا عمامته في أول الليل ،
فلما رأى الأحدب واقفاً اعتقد أنه يريد خطف عمامته
فطبق كفه ولكم الأحدب على رقبته فوقع على الأرض
وصاح النصراني على حارس السوق ،
ثم نزل على الأحدب من شدة سكره ضرباً وصار يخنقه خنقاً.
فجاء الحارس فوجد النصراني باركاً على المسلم وهو يضربه
فقال الحارس: قم عنه فقام فتقدم إليه الحارس فوجده ميتاً،
فقال كيف يقتل النصراني مسلماً ثم قبض على النصراني
وكتفه وجاء به إلى بيت الوالي
والنصراني يقول في نفسه يا مسيح يا عذراء كيف قتلت هذا
وما أسرع ما مات في لكمة قد راحت السكرة وجاءت الفكرة
ثم أن الأحدب والنصراني باتا في بيت الوالي وأمر الوالي السياف أن ينادي عليه ...
ونصب للنصراني خشبه وأوقفه تحتها وجاء السياف
ورمى في رقبة النصراني الحبل وأراد أن يعلقه
وإذا بالمسلم قد شق الناس فرأى النصراني وهو واقف تحت المشنقة ،
ففسح الناس وقال للسياف لا تفعل أنا الذي قتلته
فقال الوالي لأي شيء قتلته .؟
قال إني دخلت الليلة بيتي فرأيته نزل من السطح
وسرق مصالحي فضربته بمطرقة على صدره فمات فحملته وجئت به إلى السوق
قال المسلم ما كفاني أني قتلت مسلماً حتى يقتل بسببي نصراني
فلا تشنق غيري فلما سمع الوالي كلام المسلم أطلق صراح النصراني السمسار،
وقال للسياف اشنق هذا باعترافه فأخذ الحبل من رقبة النصراني ووضعه في رقبة المسلم
وأوقفه تحت الخشبه وأراد أن يعلقه وإذا باليهودي الطبيب
قد شق الناس وصاح على السياف وقال لا تفعل ....
فما قتله إلا أنا وذلك انه جاءني في بيتي ليداوى
فنزلت إليه فتعثرت فيه برجلي فمات فلا تقتل المسلم واقتلني.
فأمر أن يقتل اليهودي الطبيب فأخذ السياف الحبل من رقبة المسلم
ووضعه في رقبة اليهودي الطبيب
وإذا بالخياط جاء وشق الناس وقال للسياف لا تفعل
فما قتله إلا أنا وذلك أني كنت بالنهار أتفرج
وجئت وقت العشاء فلقيت هذا الأحدب سكران ومعه دف وهو يغني بفرحة
فوقفت أتفرج عليه وجئت به إلى بيتي واشتريت سمكاً وقعدنا نأكل
فأخذت زوجتي قطعة سمك ولقمة ودستهما في فمه فزور فمات لوقته
فأخذته أنا وزوجتي وجئنا به لبيت اليهودي ووضعنا الأحدب ومضيت أنا وزوجتي
فنزل اليهودي فعثر فيه فظن أنه قتله
ثم قال الخياط لليهودي أصحيح هذا ؟ قال: نعم.
والتفت الخياط للوالي وقال: أطلق اليهودي واشنقني،
فلما سمع الوالي كلامه تعجب من أمر الأحدب
وقال إن هذا أمر يؤرخ في الكتب ثم قال للسياف أطلق اليهودي واشنق الخياط باعترافه و ...
فقدمه السياف وقال هل نقدم هذا ونؤخر هذا ولا نشنق واحداً
ثم وضع الحبل في رقبة الخياط فهذا ما كان من أمر هؤلاء ...