منتدى حد الغربية
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
منتدى حد الغربية
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
منتدى حد الغربية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى حد الغربية

اهلا ومرحبا بك يا زائر في منتديات حد الغربية
 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلالدخولدخول

شاطر | 
 

 قصص الأنبياء

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة

قصص الأنبياء Vide
حامد عباس رضوان
عضو ماسي
عضو ماسي
حامد عباس رضوان
ذكر

عدد المساهماات عدد المساهماات :
194

العمر العمر :
64

النقاط النقاط :
270

التّقييم التّقييم :
3

الإنتساب الإنتساب :
23/10/2008

. :
قصص الأنبياء Empty

 

 


مُساهمةموضوع: قصص الأنبياء   قصص الأنبياء Emptyالجمعة 26 فبراير 2010, 15:12


بسم الله الرحمن الرحيم

استفاق يوسف ذات صباحٍ متهلّل الوجه، منبسطَ الأسارير، تطفو على قسمات وجهه المشعِّ غبطةٌ وسعادةٌ..
وشاهد أبوه يعقوبُ في فتاهُ الوسيم، ذلكَ، فسُرَّ بدوره، وطابت نفسُهُ، وانشرح صدرُه فيوسُفُ أحبُّ أبنائهِ إليه، وأقربهم إلى نفسه وقلبه، وآثرهم لديه منزلةً ومكاناً!..
وتناول يوسف يد أبيه وهو يَهمُّ بالجلوس إلى جانب هذا الشيخ الصّالح، كي يُفضي إليه بالسِّرِّ الَّذي أشاعَ في نفسه كلّ هذا الرِّضا والسُّرور، قائلاً لَهُ: {يا أبت إني رأيتُ أحدَ عشَرَ كوكباً والشَّمسَ والقمرَ رأيتُهم لي ساجدين}.
ويلتفتُ يعقوبُ، منتفِضاً، إلى هذا الفتى الأغرِّ، كالأملود الريّان طراوةً، والّذي يسطعُ جبينُهُ بنورٍ سماويٍّ ساحرٍ، أخّاذٍ، وتلتمعُ على وجنتيه إشراقَةُ لألاءٍ، ويشيع منهما ألقُ ضياءٍ.. فيضمُّه إلى صدرِهِ، ويُقبِّلُهُ بعطفٍ وحنانٍ، ويُلقى في روعه بأن الله تعالى أخذَ يُعدُّ هذا الفتى الوسيم، البهيَّ الطَّلعةِ، لجلائل الأمور!..
وبنبرةٍ تنضحُ إشفاقاً يطلبُ الشيخُ الوقورُ من ابنه الفتى ألاّ يقص هذه الرؤيا الصالحة على إخوته الأحد عشر، فقد يؤدي ذلك إلى حسد منهم، وكيد.. خاصة، وأنّ يعقوب يعلم حقّ العلم تبرُّم إخوة يوسف من أبيهم الذي يؤثر عليهم أخاهم يوسف إيثاراً شديداً. فلهُ في نفسه، من دونهم، ماليس لهم جميعاً!..
وينصرف الفتى يوسف، وبنفسه تطوف آمال عذاب، وأحلام رطاب!…
* المؤامرة:
وذات مساء يحيط بيعقوب أبناؤه. وقد أجمعوا على أمرٍ، وانطوت جوانحهم التي تأكّلها الحسد، على خطبٍ جللٍ!.. فلم إيثارُ الأب يوسف عليهم أجمعين؟..
وتودّدوا إليه: {قالوا: يا أبانا مالكَ لاتأْمَنّا على يوسُفَ وإنّا لهُ لناصحون. أرسِلهُ معَناَ غداً يرتّع ويلعبْ وإنّا لهُ لحافِظونَ}.
ويشعُرُ يعقوبُ بما يشبِهُ الإنتفاضةَ تسري في أوصالِهِ، فترتعدُ فرقاً (أي: خوفاً) فهو، فعلاً، لايأمنهُم على يوسف، فجميعهم له حاسدون!..
ويحاول الشّيخُ ألاّ يستجيبَ لطلبِ أبنائه هؤلاء، متذرّعاً بخوفه على يوسف من ذئب عاد، أو أفعى ناهشة، في هذه البرّيّة الموحشة، حيث يسرح أبناؤه بقطعانهم، من صبحٍ لمساءٍ!.. ويتظاهر إخوة يوسف بالحرص على أخيهم، فهو، بينهم، سويداءُ القلب، وسوادُ العين!.. ومن أين للأذى أن يعتريهُ؟..
وأنّى للذّئب أن يصل إليه، وهم عصبةٌ أشّداءُ؟..
ومازالوا بأبيهم يستميلونه، ويستعطفونه، حتّى أذن لهم.. فأخذوه معهم في صباح اليوم التّالي.
وما أن ابتعدوا عن الحيِّ حتَّى وثبُوا على يوسُفَ: فهذا يَشُدُّه وثاقاً، وذلك يُمسِكُ بيديه، وذاكَ يُجَرِّدُه من قميصِهِ..
وائتمروا به.. ماذا يفعلون؟..
قال أحَدُهم: نَقتُله ونستريحُ..
وقال آخرُ: بل نبيعُه لبعض التُّجَّارِ العابرينَ على أنّه عبدٌ رقيقٌ..
وقال كبيرُهم يهوذا: من الحرام أن نقتُله، إذ لم يجترم جُرماً، ولم يقترف إثماً،.. بل نلقيه في غيابات جبٍّ قريبٍ، وليكُن بعد ذلك مايكون!..
واستحسنوا رأيه!..
فقادوا يوسف إلى جبٍّ قريبٍ، ألقوه فيه، ثمَّ قفلوا، بعد ذلك، راجعين..
لقد انتهَوا من يوسُفَ، دونَ أن تتَلطَّخَ بدمِهِ يدٌ!..
وعادُوا إلى أبيهم، مساءً، وهم يصفُقون كفاً بكفٍّ مُتباكينَ!.. ويَبتدِرُهُم أبوهُم يَعقُوبُ، وقد انخلعَ جِنانُه:
- ويحَكُم!.. ما الأمرُ؟
- {قالوا ياأبانا إنّا ذهبنا نستبقُ، وتركْنا يوسُفَ عند مَتاعِنا، فأكَلَهُ الذِّئبُ، وما أنتَ بِمُؤمِنٍ لَنا، ولَو كُنَّا صادقين}.
ويَصفُقُ يعقوبُ كَفّاً بِكَفٍّ، أيضاً…
- أحقّاً، ماتَدَّعونَ؟..
- إي، وربِّ آبائِكَ الصَّالحينَ!..
ويشعُرُ يعقوبُ، شُعوراً، يكاد يكونُ يقيناً، بتآمر أبنائه، على أخيهم يوسُفَ الوضئ القسمات، الأبلج، كيداً منهم وحسداً..
ويطرح إخوة يوسف قميص أخيهم الممزَّقَ أمام أبيهم، وقد تلطَّخ بدمٍ كذبٍ.
ويُشيحُ يعقوبُ بوجهه عن أولاده الماكرين، وإنّ قسماتهم لتنضح بالكذب المبين، ويتولّى عنهم، وقد اسوَدَّ وجهُه حُزناً على يوسُف، وأسَفاً!..
{ قال: بل سوَّلَت لكُم أنفُسُكم أمراً، فصبرٌ جميلٌ، والله المستعانُ على ماتصفون}.
* يوسف في الجُبِّ:
ويتطلّع الفتى الوسيمُ تحتَه، فإذا بماءٍ ساكنٍ، رقرَاقٍ… ويتأمّلُ فوقَه، فلايرى إلاّ غتمةً حالكةً..
فتلُفُّهُ وحشةٌ خانقةٌ، وتطوفُ بخياله أفكارٌ سودٌ، فيرتعدُ..
إنّه مظلوم، وقد ألقي به في جوف هذا الجُبِّ الحالك، الموحش دون ذنب، أو جريرةٍ..
أمّا الظّالمون، فهم إخوتُه..
فيا لسُخرية الأقدار!.. ويشعُر بالألم يعتصر قلبه الصغير، اعتصاراً!.. ثم يشعُر وكأنّ نوراً رقيقاً، لطيفاً، ينسابُ إلى دخيلةِ نفسه شيئاً فشيئاً.. فيُبدّدُ ما علق بها من وحشة مكفهِرّةٍ، ومايلُفّه من ظلمات.. وخيّل إليه، كنقرٍ في أذنيه، صوتٌ يهتفُ بهدوءٍ:
- {لتُنَبِّئنَّهُمْ بأمرِهِم هذا، وهُم لايَشعرون}
فيطمئن، كالمستبشر خيراً، وترتاح إلى ذلك نفسه ارتياحاً غريباً.. ويُسلم أمرهُ لله!…
* خلاصُ يوسف:
وبعد حين، يسمع يوسف، وهو في غيابة الجبِّ، أصواتاً اختلط بعضُها ببعض، فيُصعي إلى الأصوات التي تترامى إلى مسمعه، من بعيد..
وإذا بها أصوات رجال، ووقع حوافر، وجلبة مسافرين.. إنّها قافلة، وقد حطّت عصا تُرحالها، قريباً من الجُبِّ..
ويسمع فوقه صوتاً، فينظر.. وإذا بدلوٍ يتدلّى فوق رأسه، يمتاح (أي: يطلب) به صاحبُه ماءً!.. فيتعلّقُ يوسُفُ بالدَّلوِ المتدلّي.. وماهي إلاّ لحظاتٌ، حتّى كان يوسُفُ خارج الجُبِّ..
وينظُر إليه صاحبُ الدَّلو، دَهشاً، فيصيح: {يابُشرى، هذا غلام!..}
وأخذهُ معه في القافلة المتوجّهة في تجارة إلى مصر، خادماً، مملوكاً!.. وفي مصر، بيع الفتى بالثّمن البخس، والسّعر الزّهيد!..
وكان الّذي اشتراه عزيزُ مصر، ورئيسُ شُرطتها "قوطيفار".
وتوَسّم عزيزُ مصر في الفتى محتداً شريفاً، وأصلاً كريماً.. إنّ وجهه ليُنبئ عن أرومةٍ طيّبة العناصر، عريقة الأصول!.. وأوصى به زوجه خيراً، فيوسفُ ليس عبداً كبقيّة العبيد!..
وأحسن يوسُفُ الخدمة في بيت سيّدِه، وأخلَصَ في ذلك… فهو بينَ أهليه حقّاً، فشتّان بينهم وبين الّذين خلّفهم وراءه في أرض كنعان!..
* يوسف وامرأةُ العزيز:
وشبَّ يوسفُ، الغُلامُ اليافع، في بيت سيّده، على نعمةٍ، وخضيل عيش… واشتدّت فتُوّتُه، وظهرت نجابتَهُ، وتفجّرت وسامتُه، فكأنّه - لحسنِه وجمالِه- لامن طينَةِ البشرِ، بل ملاكٌ كريمٌ ‍‍‍!..
ولاحظت سيّدته فيه الشّباب الغضَّ المتألّق، فلا حقته بنظراتها،.. ثمّ أخذت تتراءى له، وتبتسمُ، وتمُدُّه بالغُنجِ والدَّلالِ!.
ويُطرقُ يوسفُ أمام ذلك كلّه، بخفر العذراءِ الحييَّة.. فليسَ لهُ إلاّ الإخلاصَ العفَّ الأمينَ، في بيت سيّده الجديد، ومولاه!..
ولكنّ سيّدة القصر مازالت تتقرَّبُ إلى يوسُفَ، فيُعرضُ عنها حيياًّ!.. فتزداد به تعلُّقاً، وله تعرُّضاً.. لقد شُغِفت به حُبّاً!..
وتتعرَّضُ له متصابيةً، وقد برّحت بها لواعج الشوق، وعصف بها الغرامُ!..
وتدنو منه، مراودةً أيّاه، فينفر، كالطّائر الفزع!. ويفرُّ أمامها،.. فتُلاحِقُهُ من غُرفةٍ، في القصر، إلى غرفةٍ، حتى الباب،.. وتشُدُّه من قميصِهِ فتشُقُّه!..
وإذ بعزيز مصر، في الباب، وجهاً لوجهٍ، وقد فغرَ فاهُ مدهوشاً!..
وقبلَ أن يستجمع العزيزُ شتات أفكاره، {قالت: ماجزاءُ من أرادَ بأهلِكَ سوءاً إلاّ أن يُسجَنَ أو عذابٌ أليمٌ}
ولايُطيق يوسفُ، مكراً من سيّدته، وكذباً، {قال: هي راودَتني عن نفسي}
ويظهر على عزيزي مصر الارتباك، فهو محتارٌ في أمره، لايدري مايفعل.. ويصل بعض أهل امرأة العزيز، فيُفاجأ، إذ الموقف فاضحٌ.. ينذرُ بعاصفةٍ وإعصارٍ!.. ويسكتُ الجميعُ، ويُطرقون، فمن يُحصحصُ صدقاً من كذبٍ، وحقاَّ من باطل؟..
ويهديه رُشدُهُ إلى اقتراحٍ، يقودُ إلى الحقيقة النّاصعة:
{ إن كان قميصُه قُدَّ (أي: شُقَّ) من قُبُلٍ، فصدَقَتْ وهُوَ من الكاذبينَ. وإن كان قميصُهُ قُدَّ من دُبُرٍ، فكذَبَت وهُوَ من الصّادقينَ. فلمّا رأى قميصَهُ قُدّ من دُبُرٍ، قال: إنّهُ من كيدِكُنَّ، إنَّ كيدَكُنَّ عظيمٌ}.
وكان عزيزُ مصر حكيماً في موقفه، فلملم الموقف، محاذراً تفجيره،.. فليس للقُصور أن تنبعث منها رائحة فضيحة!.. وليس لهذا الأمر أن يتكرّر أو أن يشيع.. فيلتفت إلى يوسفَ المطرق برأسه، فيواسيه:
-{يوسف، أعرض عن هذا} لاعليك!… وانسَ ما حدث، وكأنّه لم يكُن!.. وينظرُ إلى زوجه، الّتي تكادُ تتهاوى من فرط حياءٍ وندمٍ وخجلٍ،.. فعليها أن تتُوبَ من فعلتها، وتندم على مابدر منها، ولاتعود لمثلها أبداً،..
- أما أنت، فتوبي {واستغفري لذنبِكِ إنّكِ كنتِ منَ الخاطئين}
* يوسفُ ونسوةُ المدينة:
ولم يكن لحادثٍ كهذا أن يمر ببساطة وسهولةٍ ويُسر،.. فألسُنُ الناس لاترحم!..
ووصل الخبر إلى إحدى سيّدات المدينة، فباحت به إلى إحدى صويحباتها،.. ومن ثم عمّ النبأ وشاع، فتناقلته السن سيدات المجتمع في كلّ محفلٍ ونادٍ!.. وسمعت زليخا بحديثهنَّ، فسُمعتُها أصبحت مضغةً في كلّ فمٍ!..
فأرسلت إليهنّ، وقد هيّأت لهُنَّ مجلساً وثيراً،.. فلما حضرن استقبلتهُن بحفاوةٍ وجميل لقاء، وأكرَمتهُنّ، وقد استقر بهن المجلس وقدمت لهن من الفاكهة صحاف البرُتقال، {وآتت كلّ واحدةٍ منهنَّ سكّيناً}
وكانت قبل ذلك، قد ألبست يوسُف فاخر اللّباس، وزيّنتهُ، فتألّق مشعشعاً!.. فلمّا انتظم عقد مجلسهنّ قالت: {اخرج عليهنّ. فلمّا رأينهُ أكبرنَهُ وقطّعنَ أيديهنَّ، وقُلن: حاشَ لله، ماهذا بشراً، إن هذا إلاّ ملكٌ كريمٌ}.
وتعلّقت أنظار السيدات المجتمعات بهذا الفتى الأغرّ الوسيم، الوضئ المُحيّا، المشعِّ الطّلعة، فشهقن منبهرات.. وتمتمن:
- ليس على الأرض كهذا الجمال اليوسفيِّ السّاحر الأخّاذ!..
بينما كانت تسيلُ أيديهنَّ دماً، إذ قد حززن أسابعهُنَّ، دون أن يشعرن لمّا رأينه، وهنَّ، لدهشتهن، يحسبن أنّهن يحززن ماقدّم لهنَّ من برتقال!..
وتلتفت سيدة القصر إلىالنسوة، وقد طاشت عقولهنّ، فهنّ بما رأين، منبهرات، مأخوذات وتقول لهنّ بلهجة عتاب" {فذلكنَّ الّذي لُمتُنَّني فيه}، فما قولُكُنَّ بعدما رأيتُنَّ؟..
ويُجبنَ: لقد رأينا من الجمال مالا يوصفُ، ومن الحسن مالايُدركُ، ممّا تحارُ به الأفهام وتطيش به الألبابُ، وتنخلعُ له القلوبُ،..
وبالتالي، فلآلوم على سيدة مصر أن يتعلّق قلبُها بهذا الجمال الملائكيِّ المدهش.. وليس السّماع كالمعاينة!..
وتتابع زليخا، بجُرأة السّيِّدة الخطيرة الشأن، تبوح بدخيلة فؤادها، إلى من هُنّ دونها من سيّدات مجتمع مصر، دون حرج. فليس بين امرأتين سرٌ مكتومٌ..:
{وبقد راودتهُ عن نفسه فاستعصمَ، ولئن لم يفعل ما آمُرُهُ ليُسجننَّ وليكوناً من الصّاغرين}.
فأقبلت السَّيِّداتُ على يوسُف لائماتٍ، عاذلاتٍ،..
- يوسفُ، وأنت في ريعان الشّباب، وميعة الفتوّة، هلاّ رقَّ قلبُكَ لسيدتك الهائمة بك، فعطفت عليها بلفتة غرام تطفئُ ماتُعاني من الهوى المُمِضِّ، والوجد الملتهب؟.
وتناولته كلّ واحدةٍ منهنّ بالقول الخلوب، والاستعطاف الرقيق. والدَّلّ المغناج.. فأشاح بوجهه عنهُنَّ، يأبى الخيانة، وسُبُل الغواية والضّلال!..
ودعا ربّه أن يصرف عنه كيدهُن، فالسّجن أحبُّ إليه من دعوات الفُجور، وإلاّ فليس لهُ إلاّ أن يصبو إليهنَّ، وإن على كُرهٍ منه، بعد طويل تمنُّعٍ وإباءٍ!..
{فاستجاب له ربُّهُ فصرفَ عنهُ كيدَهُنَّ إنّهُ هو السّميعُ العليمُ}.
وأدخل يوسُفُ، بعد ذلك، السجن، بوشايةٍ ملفّقةٍ، واتّهامٍ كاذبٍ، حيثُ استقرَّ به المقامُ هناك، بضع سنين، وقد انقطعت أخبارُه عن العالمين!..
* يوسف في السجن:
ووجد يوسفُ في سجنه بعض متّسع من الوقت ليُبثَّ أفكاره بين هؤلاء السيئي الطّالع الذين تصمُّهم عتمةُ السجن فما من إلهٍ إلاّ الله الواحد القهارُ!..
فلا"رَعْ" -اي الشمسُ- بإلهٍ، ولا"إبيس"- أي العجلُ- بإلهٍ أيضاً،..
ولاهذه الأصنامُ جميعاً بألهةٍ. إنّها حجر منحوتٌ!.. فالله وحدهُ، خالقُ السموات وما فيهن، والأرضين، وما عليهن. وهو ربَّ العالمين!.. بذلك بشّر إبراهيمُ من قبلُ، وإليه دعا من بعده، جدُّ يوسفَ، إسحقُ، وأبوه يعقوبُ!..
{ودخل معه السجن فتيان} فأصغيا إلى دعوته، فوجداها حقاًّ.. إنّهما ساقي الملك، وخازن طعامه، سيقا الى السجن ليُحاكما بعد ذلك..
ووجد الفتيان في يوسف رجاحة عقل وشرف نفسٍ وعلوَّ همّةٍ، لم يجداها في غيره.. فأتياه يوماً ليُنبّئهُما بتأويل حلم رأياه:
قال الأول: لقد رايت فيما يرى النائم إني أقدّم للعزيز خمراً..
وقال الثاني: بينما رأيتُ أنا، أنِّي أحملُ على رأسي خبزاً، فتأتي الطيرُ، وتأكُلُ منه.
ويجد يوسفُ في المناسبة فرصة سانحة ليُبشّر بدينه، ودين آبائه: يعقوب وإسحق وإبراهيم.. فهو الدّين الحقُّ القيم {ولكنّ أكثر الناسِ لايعلمون}
ثم يلتفت إلى الأول منهما، قائلاً: لاأخالك إلاّ ناجياً، عمّا قريب، وستعود إلى بلاط الملك، ساقياًله، ونديماً، تقدّم له كؤوس الخمر. فإن كان ذلك، ولابدَّ من أنّه سيكون، فاذكرني عند سيّدك الملك".
ثم التفت الى الثاني، أما أنت، فستُصلبُ بعد خروجك من السّجن..
ويبتسم الثاني، وكأنه كان غير صادق في ما زعم من رؤيا، ويحاول الاعتراض فيرفع يوسف كلتا يديه بوجههما، قائلاً لهما: هذا أمرُ الله وقضاؤه فيكما، فقد {قُضي الأمرُ الذي فيه تستفتيان!..}.
ويكون مانبّأهُما به يوسف:
إذ سرعان مايستدعى الرجلان، فيخرجان من السجن، ويمثلان أمام القضاء، فتبرّأُ ساحة الأول، فيعود ساقياً للملك، ونديماً.. وتثبت على الثاني التُّهمة، فيُقتل صلباً..
وتمرُّ، بعد ذلك على يوسف في سجنه بضعُ سنين، وقد عانى فيها ما لايعلمُهُ إلا الله!..
* رؤيا عزيز مصر:
وخرج العزيزُ، صباح يومٍ، على العلماء المحتشدين في بلاطه، وقد تغيّر وجههُ، وكأنّ غمامةً من كآبةٍ تطوف على جبينه، لاتفارقُهُ.. فماذا تخبِّئُ لهُ الأقدار؟
ويسأله أحدهم، وقد بدا عليه اهتمامٌ:
- ماالأمرُ يامولايَ؟
- رؤيا، رأيتها البارحة، لاتزال ماثلة في وجداني.. ونصب عينيَّ، أبداً!..
- هاتها!.. وفينا كلُّ مفسِّرٍ، عليمٍ!..
_ {إني أرى سبع بقراتٍ سمانٍ، يأكُلهنَّ سبعٌ عجافٌ (ج.عجفاء: أي هزيلة) وسبعَ سُنبلاتٍ خضرٍ، وأُخرَ يابساتٍ، ياأيُّها الملأُ أفتُوني في رؤيايَ إن كنتُم للرُّؤيا تعبُرون}
ويطرق الكهنةُ في المجلس، والعلماءُ.. ولايجدون لرُؤيا الملك تأويلاً.. ويستغرقون في التفكير، ولايهتدون، إنّهم أمام طلّسم مستغلقٍ!.. وظهر عليهمُ العجزُ وبان الارتباكُ..
- {قالوا: أضغاثُ أحلامٍ وما نحنُ بتأويل الأحلامِ بعالمين}
وكان ساقي الملك يستمع إلى ذلك كلّه، فذكر رؤياه عندما كان سجيناً، وصاحبه، وذكر تأويل يوسُف للرُّؤيا. وطلب يوسف إليه أن يذكُرَهُ أمام عزيز مصر.. وها هي ذي المناسبةُ، فيصيحُ:
- سيّدي، سيّدي، في السّجن فتىً اسمُهُ يوسُفُ، عليمُ بتفسي الأحلام، وتأويل الرُّؤى، فلو شئت استدعيته، فتقعُ فيه على الخبير!..
ويأمره الملكُ: هيّا!.. اعرض عليه رؤياي، وهلُمّ إليَّ بما يقول!..
ويسرعُ ساقي الملك إلى السجن، ومعه بضعةُ رجال من الشُّرطة،.. فيدخلون على يوسف ويسلّم عليه ساقي الملك، ويعتذر إليه، فقد أنساه الشيطان أن يذكره أمام الملك وها هو ذا بابُ الفرج ينفتح على يوسف، فبعد اللّيل، فجرٌ وشمسٌ وضياءٌ!..
ثم يستمع يوسف، بعد ذلك، إلى رؤيا الملك، مليّاً ويقولُ للرسول، بلهجة الواثق، المطمئنِّ،: هاك تأويلها!..:
- تستقبلون سبع سنين فيها لين عيشٍ ورخاءٌ، وازدهار وعطاءٌ.. تتلوهنَّ سبعُ سنين - على نقيض سالفاتها- كوالحُ، شدادٌ، فيها ينقُصُ ماءُ النِّيل، وينحسرُ خيرُه، فلا يعودُ إلى سابق عطائه،.. وينقطعُ الغيثُ، فلا تغُلُّ الأرضُ، وتصابون بالدّواهي وعظائم الأمور، فيعُمُّ قحطٌ وجدبٌ، وتبتلون بشظف عيش وقسوة حياة.
وبعد ذلك، تقبل الأيام عليكم بوجهها من جديدٍ، بعد إدبارٍ، فيخصبُ وادي النّيل، ويُمرعُ، ويعُمَّ الخير أرض مصر كلّها..
وتغاثون حنطةً وشعيراً فتأكلون، وسمسماً وزيتوناً، وعنباً، فتعصرون!.. فإن كان ذلك- وهو كائنٌ لامحالة- فذروا ما حصدتم في سنبله، ودعوه في أهرائكم باستثناء ماأنتم بحاجة إلى أكله، حتى يقضي الله أمراً كان مقضياً!..
ويعودُ الرّسول إلى قصر الملك، يهرولُ، مُسرعاً..
إن تفسير الرؤيا أعجبُ من الرؤيا ذاتها، وأغربُ!..
ويُنبِّئُ الملك، أمام العلماء المحتشدين في بلاط القصر، تفسير الرؤيا التي رآها.. فينبهرون جميعاً..
ويقول قائلهم: إن هذا لذو علمٍ عليمٌ.
ويقول آخرُ: بل، إنّ هذا من وحي السّماء!..
ويلتفت الملك إلى ساقيه، مُنتهراً إياه: ماذا تنتظرُ؟.. هيَّا!.. عليّ بيوسف سريعاً!..
ويُسرعُ ساقي الملك إلى يوسف، يزُفُّ إليه بُشرى اطلاق سراحه، داعياً إياه لمقابلة الملك.
ويقابل يوسف ذلك ببرودة أعصاب، فيُبهتُ الرَّسولُ!..
إنّ يوسُفَ يأبى أن يغادر السّجن دون إثبات براءته، ولو بعد حينٍ. فيقول للرّسول: -{ارجع إلى ربّك(بمعنى الملِك) فاسألْه ما بالُ النِّسوة اللاّتي قطّعن أيديهن، إنّ ربي ركيدهنّ عليمٌ}.
ويدعو عزيزُ مصر النّسوة، وفي طليعتهنّ زوجه زليخا، فلا يشهدن ليوسف إلا بكل مكرمة وخلقٍ رفيع..
وتجد السيدة زليخا الفرصة مؤاتية لتزيح عن نفسها همّاً طالما أقلق مضجعها، وأقضّه.. فتصرّح على رؤوس الأشهاد بأنّها هي التي راودته عن نفسه، فاستعصم وأبى!.. والكلُّ يعلم ذلك.. فلم مجانبة الحقيقة والقول الصّواب؟..
فما كان من عزيز مصر بعد ظهور الحقيقة ببراءة يوسف، إلاّ أن دعا يوسف إليه يستخلصهُ لنفسه رجلاً قوياً، بعد ما كان استخلصهُ لنفسه غلاماً فتياًّ!..
ويسلِّمه خزائن مصر، وهو الخبير العليم، يُشرف عليها، متصرّفاً في أمورها كما يرى.. إن يوسف وزير مال واقتصاد من طراز نادر، رفيع!.. وهو الجدير بأن تسلّم إليه مقاليد الأمور، وتُناط به المهمّاتُ، في حوالك الأيام!.. وينهض يوسف بالهمهمة الموكلة إليه، خيرُ نهوض.. فقد قرعت المجاعة أبواب الناس قاطبةً، وهجم عليهم الجوع فعضَّهم بأنيابٍ حِدادٍ!.. وتلاقي خُطَّتُه في خزن القمح والمؤن، وتوزيعها على الناس كلّهم، بالعدل والقسطاس، نجاحاً عظيماً!.. فهي التي خلَّصت شعب مصر من براثن مجاعة، وخطوبٍ عِظامٍ!..
* يوسف وإخوته:
وكما في مصر جدبٌ وقحطٌ، عامّان، كذلك في أعالي الجليل، حيث اجتاح الجفاف أرض كنعان، وضربها قحط أسود، كالحٌ!..
وتهيّأ إخوة يوسف ليمتاروا (أي: يجلبوا) حنطةً من مصر، حيث يقوم على ذلك ملكٌ حدت باسمه الرُّكبانُ!..
وساروا بقافلتهم متوجهين إلى أرض النيل، حتى وصلوا إلى مصر،.. ودخلوا على العزيز، فعرفهم واحداً واحداً، وهم له منكرون.
وتقرب إليهم عزيزُ مصر، مستفسراً عن أحوالهم، وعن الجهة التي أتوا منها. فعرَّفوه بأنفسهم: فهم أبناءُ نبيِّ الله يعقوب إبن إسحق بن إبراهيم.. كان لهم أخٌ من أبيهم، أكلهُ الذِّئب في الفلاة، وبقي شقيقُهُ الصغير، واسمُهُ بنيامين، في عهدة أبيه..
ورحَّب بهم العزيز، ووعدهم بجزيل الإحسان.. وتظاهر أنه يريد التثبُّت من صحَّة دهواهُم، فطلب إليهم أن يأتوه بأخيهم الصَّغير، هذا..
ووجد إخوةُ يوسف في ذلك صعوبةً..
فليس من السَّهل أن يتنازل عنه أبوه، وذكرى يوسف، لاتزال تفعل في نفسه رغم ماانقضى عليها من دهرٍ طويلٍ..
ولكنّ عزيز مصر أصرَّ على طلبه. فتلبيةُ طلبهم من الحنطة مشروطةٌ بإحضار أخيهم بنيامين، فانصاعوا لأمره، مكرَهين!…
وأمدَّهم يوسف بكيل بعيرٍ من الحنطة، وردَّ إليهم ما دفعوه من مالٍ، جعلَهُ في رحالهم، تشجيعاً لهم على العودة، وإحساناً!..
وقفلوا راجعين!..
وعرضوا على أبيهم ما طلبه عزيزُ مصر، هذا الأريحيُّ الكريمُ، وما اشترطهُ عليهم من إحضار أخيهم بنيامين.
فاستعبر يعقوب باكياً، وتأوَّه كالملدوغ: {وا أسفى على يوسُفَ!..}
وبكى أبناؤه وهم يرون أباهم الشيخ قد ابيضَّت عيناه حُزناً على يوسف، وكمداً، وأسفاظص، وفارقت ثغره الإبتسامةُ، فهو في حزنٍ مقيمٍ!..
وأحاط الإخوة بأبيهم، فلم لايأمنهم على أخيهم بنيامين؟.. انهم عشرة حوله يُفدُّونه بالمهج والأرواح. فقال لهم يعقوب: {هل آمنكُمُ عليه إلاّ كما أمنتكُم على أخيه من قبلُ. فاللهُ خيرٌ حافظاً وهو أرحمُ الرّاحمين}.
فأطرقوا خجلاً، ولم ينبسوا ببنت شفةٍ، إنّ أباهم ليقول حقاً!..
وبعد لأي (أي: جهد) سمح يعقوب لأولاده باصطحاب أخيهم بنيامين إلى عزيز مصر فهبُّوا إلى رحالهم، فرحين..
واستوقفهم أبوهم: - "مهلاً!.. ولكن شرط أن تحافظوا عليه محافظتمك على أنفسكم، أو أشدّ، ولاتفرِّطا به أبداً" وأخذ عليهم بذلك ميثاقاً غليظاً!.
ثم نصحهُم بألاّ يدخلوا المدينة من باب واحد، فهم عشرةُ رهطٍ، يضافُ إليهم أخوهم بنيامين. يؤلّفون قافلة كاملة، فمن الممكن أن يجتاحهم أذىً، أو أن تُصيبهم عينٌ بسوء!..
وسارت القافلةُ على اسم الله، يُحيط بها دعاءُ يعقوبَ، وتكلأُها عين الله!..
*يوسف وبنيامين:
ها هي ذي القافلة تحطُّ في أرض مصر الرّحال .ويتوجَّهُ أبناء يعقوب العشرة بأخيهم بنيامني إلى عزيز مصر، فما كانوا في حديثهم السّابق، معهُ، الاّ صادقين!..
ويستقبلهم العزيز ببشاشة وجه طلقٍ، وترحابٍ نديٍّ!..
ويحين موعدُ الطّعام، فيجلسُ كلٌّ إلى أخٍ له، يشاطرُهُ الغداء.. ويومئ العزيز إلى بنيامينَ، فيأخذُه من يده، ويتغدّيان معاً.. ويرمُقُ أبناء يعقوب أخاهم بنيامين، وهو يؤاكلُ الملك، بطرفٍ حسودٍ!.
وفي غفلة عن أعيُنهم يهمسُ يوسفُ في أذن بنيامين:
{إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون}
ويوصيه بألاّ يبوح هذا السرِّ أمام إخوتِه، أبداً!..
ولمّا جهّزهم الملكُ بجهازهم، موفياً لهم الكيل، أمر بوضع صواع الملك (الصواع، أو الصاع: مكيال نصف مد) في رحل أخيه بنيامين.
وما أن ابتعدت القافلة قليلاً، حتى استوقفها صارخٌ:
- على رسلكم!.. تريَّثوا قليلاً!..
- ماالأمرُ، أيّها الحرسيُّ؟.
- لقد فقدنا صواعَ الملك، وهو كما تعلمون، من الذّهب الخالص. إنني كفيلٌ لمن يجئُ به، بكيل بعيرٍ من الحنطة، وما هذا الكيلُ بيسير!..
- والله ما كنا لنخون، وماكنّا لنسرقُ، ولالنعيثُ في الأرض فساداً، نحن، ياهذا، أبناءُ نبيٍّ ابن نبيٍّ، فاتّق الله في أمرنا!..
- مادمتم لتقولون ذلك، فهيّا إلى العزيز، ليرى رأيه في ماتقولون!..
ويعود أبناء يعقوب إلى عزيز مصر…
- مالخطبُ أيّها العزيز؟
- إننا نفقد الصُّواع الذهبيَّ الذي نكيلُ به الحنطة للنّاس، فلعلَّ أحدكُم سرقه!.
- سرقه؟.. أترى في وجوهنا سيماء لُصوصٍ، وسُرّاقٍ؟..
- لعلّه يكون في أحد أحمال هذه الحنطة التي على الإبل، فهيّا، وأنزلوا ماعليها من أحمالٍ!..
ويُسرع أبناء يعقوب ينيخون الجمال، وينزلون ما عليها من أحمال حنطةٍ، وهم يقولون: والله ماكنّا سارقين!..
ويقول لهم العزيزُ، وهم يفُكُّون أربطة رحالهم:
- ماجزاءُ من سرقه إن تبيَّن أنه في رحال أحدكُم؟..
فيجيبون: كما يقضي بذلك، عندكُم القانون.
-يتحمَّلُ وحده العقاب دون الآخرين.
- وهو كذلك!..
ويتقدم العزيز فيتحسَّسُ أحمال إخوته العشرة، وهم يبتسمون،.. فلا يجد شيئاً..
ثم يمدُّ يمينه إلى حمل بنيامين فيستخرج الصُّواع منه،.. ويرفعُه في وجوههِم!..
وتعقُلُ الدَّهشة ألسنةَ أبناء يعقوبَ، ويسطع الغضبُ من عيونهم، فتظهرُ وجوههم حمراء دكناء!.. فمتى كان هذا الحمل الوديع لصّاً خطيراً؟..
{قالوا: إن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبلُ}
فيرمقهم عزيز مصر بنظرة كالصّاعقة؛ فما زال هؤلاء الرّجالُ على ضلالهم القديم!.. ويجيلُ نظراته في هؤلاء العشرة من الرجال، وقد اعتراهم خزيٌ كاسحٌ،
{ قال: أنتم شرٌّ مكاناً والله أعلمُ بما تصفون}
وأمر عزيزُ مصرَ ببنيامينَ فأوقِفَ جانباً..
ولمّا رأى أخوتُه ذلك، ذكروا أباهم، والمواثيق الّتي أخذها عليهم، والعهود.. إنّه لآمرٌ، جدُّ فظيعٌ!..
ووقفوا أمام عزيز مصر مستعطفين…
{قالوا: ياأيّها العزيزُ إنّ له أباً شيخاً كبيراً، فخُذ أحدنا مكانه إنّا نراك من المحسنين. قال: معاذ الله أن نأخُذ إلاّ من وجدنا متاعنا عنده إنّا إذاً لظالمون}
فأطرقوا!.. إنّ العزيز ليقول حقّاً ويحكمُ عدلاً!..
يهمُّون بالإنصراف، وقد اكتسحهُم همٌّ ثقيلٌ، فبأيِّ وجهٍ سيُلاقون أباهم، وقد أخذ عليهم موثقاً من الله، غليظاً، وعاهدوه، فما قُدِّرَ لهم الوفاء؟
ويضرب كبيرُهُم الأرض بقدمه، قائلاً لإخوته:
- ويحكُم!.. أنسيتُم عهدكُم لأبيكم. بئس ماتعودون به إليه،.. أمّا أنا، {فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي، أو يحكُم الله لي وهو خيرُ الحاكمين}.
وعاد أبناء يعقوب إلى أبيهم، مطرقي الرؤوس، منكّسي الهامات، كأنّهم وراء جنازةٍ يسيرون.. ويخبرنه بالحدث، فيضربُ يعقوبُ رأسه بكلتا يديه!..
بالأمس فرّطوا بيوسف، واليوم ببنيامين،..
وأجهش الشيخ منتحباً.. ورماهم بغليظ القول، أشدّ من السّياط لسعاً، واتَّهمهم بالتَّفريط والتّقصير، سوؤ النيّة، والتّقدير!..
ولكنّ الشّيخ الكبير لايزالُ على عظيم ثقة ببقاء يوسف جيّاً يُرزق، وبأن بنيامين سيعود إليه يوماً!..
ولكن: أين يكونُ الأول؟… ومتى يعودُ الثاني؟..
وغالبهُ حزنٌ وقهرٌ قغلباه. فاستسلم لمشيئة الله، وكأنّ قبله تقطّعهُ المدى!.. وقال لأبنائه: {يابنيَّ اذهبوا فتحسسّوا من يوسفَ وأخيه ولاتيأسوا من روح الله إنّه لاييأسُ من روح الله إلاّ القوم الكافرون}.
خاصةً، وأنّ القحط والجفاف عادا يضربان أرض شماليِّ الجليل، فالسّنواتُ عجافٌ، شدادٌ، مهازيلُ.
* المفاجأة:
ويذكرُ أبناء يعقوب عزيز مصر، وعدله، وكرم يده، وشمائله الحسان، وأخاهُم لديه.. فيجمعون مابحوزتهم من مالٍ يسيرٍن ويتوجَهون به إلى بلاد العزيز..
ويدخلون عليه قائلين:
ياأيُّها العزيزُ، لقد ابتُلينا بأمورٍ عظامٍ، وخُطوبٍ جسامٍ إذ شحّت السّماءُ، وأجدبت الغبراءُ، فأصابت أهلينا البأساءُ والضّرّاء، وجئناك بما أبقت عليه الأيام النّكداءُ، والخطوب النّكراءُ، وهو مالٌ جدُّ يسيرٌ، وقليلٌ حقيرٌ، {فأوف لنا الكيل وتصدّق علينا إنّ الله يجري المتصدّقين}
{ قال: هل علمتُم مافعلتُم بيوسُفَ وأخيه إذ أنمت جاهلون}.
ويستعيدون في أذهانهم صورة أخيهم يوسف، كفلقة القمر اشراقاً ولألاءً، إنّه، وربِّ ابراهيمَ- لهو!.. وقد القت النعماء عليه مسحةً من مزيد بهاءٍ وإشراقٍ..
فيا للمُفاجأة الصّاعقة!..
ويصرخُ بعضُ إخوته، وقد داهمتهُم المُفاجأةُ فأخرجتهُم عن طورهم، وتأدُّبهم أمام عزيز مصر، {قالوا: أإنّك لأنت يوسُفُ!}
ويجيبهم بكل هدوءٍ: {قال: أنا يوسفُ وهذا أخي قدْ منَّ الله علينا، إنّه من يتّق ويصبِر فإنَّ الله لايُضيعَ أجرَ المحسنين}.
فاعترفوا بخطيئتهم، وقد تطأطأت منهم الرُّؤوسُ، فلا يستطيعون النّظر إلى وجه إخيهم خجلاً من فعلتهم الشَّنعاء…
واستأذنُوه أن يعودوا إلى أبيهم بالبُشرى، فإذن لهم.. وجهّزهم بما ناءت به العيرُ، وبقميصٍ له، طلب إليهم أن يلقُوه على وجه أبيهم حينَ يصلون!..
وقفلت العيرُ، وئيدةً، بطيئةً، بما عليها من أحمالٍ ثقالٍ، وقد توجّه بها أبناء يعقوب إلى بلادهم في شماليِّ الجليل، وقد علا صوتُ الحادي، فأخذت العيرُ تجدُّ في المسير!..
وأخيراً،.. وصلت العير إلى مواطنها، وأشرف أبناءُ يعقوب على أبيهم، وقد حمل البشيرُ قميص يوسف، وأخذ يعدو نحو أبيه..
فصاح يعقوبُ: {إني لأجِدُ ريحَ يوسُفَ}
وطُرِحً قميصُ يوسفَ على وجه يعقوب المتغضِّن، الّذي لايبين منه إلاّ لحيةٌ كثّةٌ، مرسلةٌ على سجيّتها، تعلوها عينان غائرتان، غاض فيهما النّورُ، .. فارتدَّ بصيراً!… وسجد لله شكراً؟، وقد ردَّ إليه يوسفَ بعد طولِ غيابٍ..
فيا للبُشرى التي لايُحيطُ بها وصفٌ، وكأنّها لغرابتها، من عالم الخيال!..
وبعد عدَّة أيام تهيَّأ يعقوبُ، وأهلُ بيته جميعاً، للتوجُّهِ إلى مصر حيث العزيزُ، العزيزُ!..
وشهدت أرضُ كنعان قافلةً تحملُ خليطاً من رجالٍ ونسوةٍ، وصبيةٍ صغارٍ، وبعض مالٍ، ومتاعٍ،.. وفي مقدّمتها شيخٌ مهيبٌ وقورٌ، يحث راحلته إلى أرض الكنانة!.
* رواية:
ورد في إحدى الرّوايات، أنّ بعض أملاك السّماء استأذنوا الله أن يشهدوا لحظة لقاء يوسُفَ بأبيه يعقوبَ، فأُذن لهم، إنّها من اللّحظات النّادرة في التاريخ!..
وشاهدت الملائكةُ في هذا اللِّقاءِ عجباً:
الشيخ يفتحُ ذراعيه، صائحاً، ساعة شاهد إبنه، ويعدو نحوه، وكأنّه يطير.. وكذلك فعل يوسُفُ!..
ويصل كلٌّ منهما إلى صاحِبه..
ويرتمي كلٌّ منهما في حِضن الآخر..
ويتعانقان.. حتى يكادَ جسداهما يلتصف الواحدُ منهما بالآخر!.. وقد تحدّرت منهما دموع الفرح بسخاء، فتقطّرت على الأرض، غزاراً..
كما شهد هذا اللّقاء خلقٌ من المصريين، اصطفُّوا مرحّبين، وقد اغرورقت عيونهم بالدّموع..
وآوى يوسف أبويه وإخوته إليه في القصر، وقد أحاطوا به..
وانتظم عقدُ لقاء يوسُف بأبويه وإخوته أجمعين، وقد خرّوا له سُجّداً..
فالتفت يوسفُ إلى أبيه قائلاً: {ياأبت هذا تأويل رؤيايَ من قبلُ قد جعلها ربّي حقاًّ}
ويهزُّ الشيخ برأسه، وقد طفرت من عينه دمعةٌ حرَّى..
ويُردِفُ يوسف، قائلاً، بصوتٍ متهدِّج، وقد رفع كلتا يديه إلى السَّماء:
-{ربّ قد آتيتني من المُلك، وعلّمتني من تأويل الأحاديث، فاطر السّموات والأرض، أنتَ وليِّي في الدُّنيا والآخروة، توفّني مسلماً وألحقني بالصّالحين}.
* نهاية المطاف:
كان موكبُ يوسُفَ يشقُّ المدينة، وحوله جندٌ وحرسٌ، وحشمٌ وخدمٌ.. وقد تجمهر الناسُ على جانبي الطريق ليحظوا بمشاهدة عزيز مصر، ومليكهم العادل المحبوب…
وكانت عجوزٌ شمطاءُ قد اقتعدت إحدى زوايا الطّريق، والنّاسُ حولها في هرجٍ ومرجٍ ووصخبٍ وضوضاء… فعزيزُ مصر، يشقُّ موكبُه الجماهير المحتشدة بعناءٍ، وقد تدافعت نحوهُ هاتفةً باسمِه، فهو بين مسلِّم عليه، ومسفِّق لهُ، وملوّحٍ من بعيدٍ..
وينعطف الموكبُ الملكيُّ بالقرب من العجوز، فتدعو بصوتٍ عالٍ كالهُتاف:
- سبحان من صيَّرَ العبيدَ ملوكاً بطاعته، والملوك عبيداً بمعصيتِهِ!..
ويصلُ الصَّوتُ إلى مسامع العزيز، فيأمر الموكبَ بالتوقُّفِ، ويسألُ عن صاحبة الهُتاف، .. فيؤتى بالعجوز إليه..
ويسألها عزيزُ مصر عن سبَبِ هُتافها، وعن اسمِها، وعن حاجتها…
ويقشعرُّ بدنُ العزيز، وقد عرف العجوز الّتي ذهبت بنضارتها السُّنون…
إنّها زليخا!.. وقد قلب لها الدَّهر ظهرَ المجنِّ!..
وكم لها في قلبه من ذكريات لاتزولُ، وكأنّها محفورةٌ على صخر أصمَّ… وكم لها في ماضية من تاريخٍ حافلٍ، ومزدحمٍ بالأحداث!…
ويطحبُها معه في الموكب الملكيِّ… ويُدخلُها القصر متوكِّئةً على عصاها، وقد احدودب ظهرها، واضمحلّت قواها..
ويراها يوسف كذلك، فتطفحُ عيناهُ بالدّمع.. فيدعو الله أن يُعيدَ إليها نضارةَ الصِّبا، وريعان الشَّباب، كما كانت أيّام تركُضُ خلفهُ في القصر وتُغلِّقُ الأبوابَ…
تقولُ الرواية: إن الله يستجيبُ لنبيِّه دعوتَه.. فإذا بزليخا تعودُ كما كانت أيّام زمان، تتألّقُ نضارةً، وتتفجَّر عنفُوانَ شبابٍ.
وينظرُ إليها يوسُفُ وقد عادت تميسً تيهاً، ودلالاً… ويطلبُ يدها للزواج فتقبلُ…
ويُسدَلُ السِّتار على زواج يوسف من زليخا، كما شاء الله لهما ذلك.. فهما سعيدان!.. وعلى عودة أهله إليه جميعاً فهم في النّعيم يتقلّبون!…
ويرى الناسُ ذلك، ويسمع به آخرون، فيعجبون عجباً شديداً.. فهم لايكادون يصدِّقون، فالقصَّة تكاد تدخُلُ في باب الأساطير!..
ولكنّها من أنباء الغيب، ووحي السماء..
{وما أكثرُ النّاس -ولو حرصت- بمؤمنين!…}
(صدق الله العلي العظيم)
ان شاء الله قدمنا شي بسيط عن حياه النبي يوسف عليه وعلى نبينا السلام


اتمنى ان تنال رضاكم واعجابكم واسائلكم الدعاء
العبد الفقير الى الله
حامد عباس رضوان




إذا أعجبك الموضوع فشارك به أصدقااءك وصديقاتك في الفايسبوك
Share


 

توقيع حامد عباس رضوان

منتدياات حد الغربية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

قصص الأنبياء Vide
yassino95
عضو ذهبي
عضو ذهبي
yassino95
ذكر

عدد المساهماات عدد المساهماات :
519

العمر العمر :
30

النقاط النقاط :
646

التّقييم التّقييم :
11

الهواية الهواية :
قراءة القرءان

الإنتساب الإنتساب :
06/09/2009

. :
قصص الأنبياء Empty
------------------
الوسام إهداء من مغربية وافتخر
مسؤولة كشاكيل وألبومات
حد الغربية
قصص الأنبياء Icon


 

 


مُساهمةموضوع: رد: قصص الأنبياء   قصص الأنبياء Emptyالجمعة 26 فبراير 2010, 17:55


والله العضيم إنت تستاهل تقييم+ حلو عليها
وكمان تتبيت أرجو أن يوافق المشرفون على دالك
مشكور لقد كنت أعرفها لكن هناك بعض التفاصيل المدققة
شرحتها إنت
مشكور أخي

إذا أعجبك الموضوع فشارك به أصدقااءك وصديقاتك في الفايسبوك
Share


 

توقيع yassino95

منتدياات حد الغربية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

قصص الأنبياء Vide
حامد عباس رضوان
عضو ماسي
عضو ماسي
حامد عباس رضوان
ذكر

عدد المساهماات عدد المساهماات :
194

العمر العمر :
64

النقاط النقاط :
270

التّقييم التّقييم :
3

الإنتساب الإنتساب :
23/10/2008

. :
قصص الأنبياء Empty

 

 


مُساهمةموضوع: قصه سيدنا آدم عليه السلام   قصص الأنبياء Emptyالجمعة 26 فبراير 2010, 18:46

</SPAN>
السلام عليكم
آدم علية السلام



يروى أن الأرض كانت، قبل خلق آدم (ع)، معمورة بالجن والنسناس والسباع، وغيرها من الحيوانات، وأنه كان لله فيها حجج وولاة، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.


وحدث أن طغت الجن وتمردوا، وعصوا أمر ربهم. فغيروا وبدلوا، وأبدعوا البدع، فأمر الله سبحانه الملائكة، أن ينظروا إلى أهل تلك الأرض، وإلى ما أحدثوا وأبدعوا، إيذاناً باستبدالهم بخلق جديد، يكونون حجة له في أرضه، ويعبد من خلالهم.


ثم إنه سبحانه وتعالى قال لهم: {إني جاعلٌ في الارض خليفة}. فقالوا: سبحانك ربنا: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} كما أفسدت الجن؟ فاجعل الخليفة منا نحن الملائكة، فها نحن {نسبِّحُ بحمدك ونقدِّسُ لك}، ونطيعك ما تأمرنا. فقال عزّ من قائل: {إنّي أعلمُ مالاتعلمون}.


وبعث اللهُ الملك جبرائيل (ع) ليأتيهُ بترابٍ من أديم الأرض، ثم جعله طيناً، وصيَّرهُ بقُدرتهِ كالحمإ المسنون، ثم كالفخّار، حيث سوّاه ونفخ فيه من روحه، فإذا هو بشرٌ سويّ، في أحسن تقويم.


خلق حواء وزواج آدم منها


سمّى اللهُ سبحانه وتعالى مخلوقه الجديد، آدم، فهو الذي خلقه من أديم الأرض، ثم إنه عزّوجلّ، خلق حوّاء من الطين الذي تبقى بعد خلق آدم وإحيائه.


ونظر آدم (ع) فرأى خلقاً يشبهه، غير أنها أنثى، فكلمها فردت عليه بلغته، فسألها: "من تكون؟" فقالت: "خلق خلقني الله".


وعلَّم اللهُ آدمَ الأسماء كلها، وزرع في نفسه العواطف والميول، فاستأنس بالنظر إلى حوّاء والتحدث إليها، وأدناها منه، ثم إنّهُ سألَ الله تعالى قائلاً: "ياربّ من هذا الخلقُ الحسن، الذي قد آنسني قربه والنظر إليه؟!" وجاءه الجواب: "أن ياآدم، هذه حوّاء.. أفتحبُّ أن تكون معك، تؤنسك وتحادثك وتأتمر لأمرك؟" فقال آدم (ع): "نعم ياربّ، ولك الحمدُ والشكرُ مادمتُ حيا." فقال عزّوجلّ: "إنّها أمتي فاخطبها إليّ". قال آدم (ع): "يارب، فإني أخطبها إليك، فما رضاك لذلك؟" وجاءه الجواب: "رضاي أن تعلمها معالم ديني.." فقال آدم(ع): "لك ذلك يارب، إن شئت". فقال سبحانه: "قد شئت ذلك، وأنا مزوجها منك".


فقبل آدم بذلك ورضي به.


تكريم الله لآدم ورفض إبليس السجود له


أراد الله عزوجل، أن يعبد من طريق مخلوقه الجديد، فأمر الملائكة بالسجود إكراماً له، بمجرد أن خلقه وسواه ونفخ فيه من روحه، فخرت الملائكة سُجّداً وجثيّا.


وكان إبليس، وهو من الجن، كان في عداد الملائكة حينما أمرهم الله بالسجود إكراماً لآدم(ع). وكان مخلوقاً من النار، شديد الطاعة لربّه، كثير العبادة له، حتى استحق من الله أن يقربه إليه، ويضعه في صف الملائكة... ولكن إبليس عصى هذه المرّة الأمر الإلهي، بالسجود لأدم(ع)، وشمخ بأنفه، وتعزز بأصله، وراح يتكبر ويتجبر، وطغى وبغى، وظل يلتمس الأعذار إلى الله سبحانه، حتى يعفيه من السجود لآدم(ع).


وما فتئ يتذرّعُ بطاعته لله وعبادته له، تلك العبادة التي لم يعبد الله مثلها ملكٌ مقرَّب، ولانبيٌّ مرسل... وأخذ يحتجُّ بأنّ الله خلقه من نار، وأن آدم مخلوق من تراب، والنار خير من التراب وأشرف: {قال: أنا خيرٌ منه، خلقتني من نارٍ وخلقته من طين}. {أأسجد لمن خلقت طينا}!.


ولما كان الله سبحانه وتعالى، يريد أن يُعبَدَ كما يُريد هو، ومن حي يريد، لاكما يريد إبليس اللعين هذا، صب عليه سوط عذاب، وطرده من الجنة، وحرّمها عليه، ومنعه من اختراق الحجب، التي كان يخترقها مع الملائكة (ع).


ولما رأى إبليس غضب الخالق عليه، طلب أن يجزيه الله أجر عبادته له آلاف السنين، وكان طلبُه أن يمهله الله سبحانه في الدنيا إلى يوم القيامه، وهو ينوي الإنتقام من هذا المخلوق الترابي، الذي حُرِمَ بسببه الجنة، وأصابته لعنة الله. كما طلب أيضاً، أن تكون له سلطة على آدم وذريّته، وظلّ يكابر ويعاند، ويدّعي أنّهُ أقوى من آدم، وخير منه: {قال: أرأيتك هذا الذي كرّمت عليّ، لئِنْ أخّرتنِ إلى يوم القيامة، لأحتنكنَّ ذريته إلاّ قليلاً}.


آدم (ع) يستعين بالله


أعطى الله سبحانه وتعالى، أعطى إبليس اللعين ماطلبه وأحبه من نعيم الدنيا، والسلطة على بني آدم الذين يطاوعونه، حتى يوم القيامة، وجعل مجراه في دمائهم، ومقرّه في صدورهم، إلا الصالحين منهم، فلم يجعل له عليهم سلطانا: {قال: إذهب فمن تبعك منهم فإنّ جهنم جزاؤكم جزاءً موفورا... إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا}.


وعرف آدم ذلك، فلجأ إلى ربّه مستعصما، وقال: "يا ربّ! جعلت لإبليس سلطة عليّ وعلى ذرّيتي من بعدي، وليس لقضائك رادٌّ إلاّ أنت، وأعطيته ما أعطيته، فما لي ولولدي مقابل ذلك؟" فقال سبحانه وتعالى: "لك ولولدك: السيئة بواحدة، والحسنة بعشرة أمثالها" فقال آدم (ع): "متذرعاً خاشعا: يارب زدني، يارب زدني". فقال عزّوجلّ: "أغفِرُ ولاأُبالي" فقال آدم (ع) "حسبي يارب، حسبي".


نسيان آدم وحواء وخطيئتهما


أسكن الله سبحانه آدم وحواء الجنة، بعد تزويجهما: {وإذ قلنا ياآدم أسكن أنت وزوجك الجنة} وأرغد فيها عيشهما، وآمنهما، وحذّرهما إبليس وعداوته وكيده، ونهاهما عن أن يأكلا من شجرة كانت في الجنة، تحمل أنواعاً من البر والعنب والتين والعناب، وغيرها من الفواكه مما لدّ وطاب: {وكلا منها رغداً حيث شئتما ولاتقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين}.


وجاءهما الشيطان بالمكر والخديعة، وحلف لهما بالله أنه لهما لمن الناصحين، وقال: إني لأجلك ياآدم، والله لحزين مهموم... فقد أنست بقربك مني... وإذا بقيت على هذا الحال، فستخرج مما أنت فيه إلى ما أكرهه لك.


نسي آدم(ع) تحذير الله تعالى له، من إبليس وعداوته، وغرّه تظاهر إبليس بالعطف عليه والحزن لأجله، كما زعم له، فقال لإبليس: "وما الحيلة التي حتى لاأخرج مما أنا فيه من النعيم؟" فقال اللعين: "إنّ الحيلة معك:" {أفلا أدلك على شجرة الخلد ومُلكٍ لايبلى}؟ وأشار الى الشجرة التي نهى الله آدم وحوّاء عن الأكل منها، وتابع قائلاً لهما: {مانهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين}.


وازدادت ثقة آدم(ع) بإبليس اللعين، وكاد يطمئن إليه وهو العدوّ المبين، ثم إنّه استذكر فقال له: "أحقاً ماتقول": فحلف إبليس بالله يميناً كاذباً، أنّهُ لآدم من الناصحين، وعليه من المشفقين، ثم قال له: "تأكل من تلك الشجرة أنت وزوجك فتصيرا معي في الجنة إلى الأبد".


لم يظنّ آدمُ(ع)، أنّ مخلوقاً لله تعالى يحلف بالله كاذباً، فصدقه، وراح يأكل هو وحوّاء من الشجرة، فكان ذلك خلاف ما أمرهما به الله سبحانه وتعالى.


الخروج من الجنة


ماكاد آدم وحوّاءُ، يأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها، حتى نادى منادٍ من لدن العرش الإلهي، أن: "ياآدم، اخرج من جواري، فإنه لايُجاوِرُني مَن عصانيْ".


وبكى آدم(ع) لما سمع الأمر الإلهيّ له بالخروج من الجنة... وبكت الملائكة لهذا المخلوق الذي سجدت له تكريماً. فبعث الله عزّ وجلّ جبرائيل(ع)، فأهبط آدم إلى الأرض، وتركه على جبل سرنديب في بلاد الهند، وعاد فأنزل حوّاء إلى جُدَّة..


ثم أنّ الله سبحانه وتعالى، أمر آدم أن يتوجّه من الهند إلى مكة المكرّمة، فتوجّه آدم إليها حتى وصل إلى الصفا... ونزلت حواء بأمر الله إلى المروة، حتى التقيا من جديد في عرفة. وهناك دعا آدم ربّه مستغفراً: اللهم بحق محمد وآله والأطهار، أقلني عثرتي، واغفر لي زلتي، وأعدني إلى الدار التي أخرجتني منها.


الرحمة والغفران


{وتلقى آدم من ربّه كلماتٍ فتاب عليه}.


وأوحى الله عزوجلّ إلى جبرائيل(ع): إني قد رحمت آدم وحوّاء، فاهبط عليهما بخيمةٍ من خيم الجنة، واضربها لهما مكان البيت وقواعده، التي رفعتها الملائكة من قبل، وأنرها لهما بالحجر الأسود. فهبط جبرائيل(ع) بالخيمة ونصبها، فكان المسجد الحرام منتهى أوتادها، وجاء بآدم وحواء إليها.


ثم إنّه سبحانه أمر جبرائيل بأن يُنَحّيهما منها، وأن يبني لهما مكانها بيتاً بالأحجار، يرفع قواعده، ويتم بناءه للملائكة والخلق من آدم وولده، فعمد جبرائيل إلى رفع قواعد البيت كما أمره الله.


وأقال الله آدم عثرته، وغفر زلته، ووعده بأن يعيده إلى الجنة التي أُخرج منها. وأوحى سبحانه إليه، أن: "ياآدم، إني إجمع لك الخير كله في أربع كلمات: واحدة منهن لي، أن تعبدني، ولاتشرك بي شيئاً، وواحدة منهن لك: أجازيك بعملك، أحوجَ ماتكون، وكلمة بيني وبينك: عليك الدعاء ومني الإجابة، وواحدة بينك وبين الناس من ذريتك، ترضى لهم ماترضى لنفسك.


وهكذا، أنزل الله على آدم(ع) دلائل الألوهية والوحدانية، كما علمه الفرائض والأحكام والشرايع، والسنن والحدود.


قابيل يقتل هابيل

كان قابيل أول أولاد آدم(ع). فلما أدرك سنّ الزّواج، أظهر الله سبحانه جنية يقال لها جهانة، في صورة إنسية، فلما رآها قابيل أحبها، فأوحى الله تعالى إلى آدم(ع) أن يزوجها من قابيل ففعل.


ثم لما ولد هابيل، الإبن الثاني لآدم (ع). وبلغ مبلغ الرجال، أهبط الله تعالى إحدى حوريّات الجنة، فرآها هابيل وأحبها، فأوحى الله لآدم (ع) أن يزوجه بها.


ثم إن الله سبحانه وتعالى، أمر نبيه آدم (ع)، أن يضع مواريث النبوة والعلم عند ولده هابيل، ويعرفه بذلك... ولما علم قابيل بذلك، غضب واعترض أباه قائلاً: "أنا أكبر من هابيل، وأنا أحق بهذا الأمر منه".


وتحيّر آدم(ع)، فأوحى الله إليه أن يقول لابنه قابيل: "يابني، إنّ الأمر لم يكن بيدي، وإنّ الله هو الذي أمرني بذلك، ولم أكن لأعصي أمر ربي ثانية، فأبوء بغضبه، فإذا كنت لاتصدقني، فليقرب كل واحدٍ منكما قرباناً إلى الله، وأيُّكما يتقبَّل الله قربانه، يكن هو الأولى، والأحق بالفضل ومواريث النبوة.


قدّم قابيل قرباناً من أيسر ملكه، وقدّم هابيل قربانه من أحسن ماعنده... فتقبل الله سبحانه قربان هابيل، بأن أرسل ناراً تركت قربان قابيل كما هو، ممّا أثار حفيظة قابيل، وأجّج نار الحقد في صدره.


ووسوس له الشيطان بأن: اقتل أخاك فينقطع نسله، وتُريحُ أولادك من بعدم إن كان لك ولد، ثم لايجد أبوك من يعطيه المواريث سواك، فتفوز بها، وذريتك من بعدك..


وسوّلت له نفسه قتل أخيه هابيل، فقتله... وكانت أوّل جريمة على وجه الأرض، نفّرَت الوحوش والسّباع والطيور، خوفاً وفرقا.


ولم يدر قابيل كيف يخفي جريمته... وماذا يصنع بجسد أخيه الملقى على الأرض بلا حراك؟... ويبعث الله تعالى غرابين يقتتلان في الجو، حتى يقتل أحدهما الآخر، ثم يهوي وراءه إلى الأرض، فيحفر، بمخالبه حفرة، يدفن فيها صاحبه، وقابيل ينظر ويرى.


أدرك قابيل عجزه وضعفه وقال: "ياويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغُراب فأواري سوأة أخي} وأدفنُ جُثّتهُ، كما دفن هذا الطائر الصغير الحقيرُ صاحِبُه المقتول؟! {فأصبح من النّادمين}.


ذرية آدم(ع)


ولد لآدم وحواء سبعون بطنا، على مايُروى، وكان أوّل أولادهما قابيل ثم هابيل اللذين لم ينجبا على مايبدو...


ولكن الله جلّ وعلا وهب لآدم وحوّاء إبنهما شيثا (هبة الله) ومن بعده ولد لهما يافث.. فلما أدركا وبلغا مبلغ الرجال، وأراد الله أن يبلغ بالنسل مانرى... وأن يكون ماقد جرى به القلم، من تحريم ماحرّم الله تعالى، من زواج الإخوة وبالأخوات أنزل سبحانه من الجنة حوريتين، هما نزلة ومنزلة، وأمر آدم أ، يزوجهما من شيث ويافث، فكان ذلك... وولد لشيث غلامٌ، وولدت ليافث جارية، فأمر الله تعالى أن يزوج آدم (ع) إبنة يافث من ابن شيث.


ولم يحرم الله آدم وحوّاء من الإناث، فقد رزقهما الله ابنة أسمياها عناق، تزوجت وولدت ولداً اسمه عوج، وصار فيما بعد جباراً شقياً، عدواً لله ولأوليائه، فسلط الله عليه وعلى أمه عناق من قتلهما.


وفاة آدم وحوّاء


انقضت أيام آدم(ع)، فأمره الله أن يوصي إلى ولده شيث، ويدفع إليه مواريث النبوة والعلم والآثار، وأمره بأن يكتم هذا الأمر عن قابيل، حتى لاتتكّرر الجريمة المأساة، ويقتله كما قتل أخاه هابيل من قبل.


وتوفي آدم(ع) ولهُ من الذريّة من ولده وأولاد ولده العدد الكثير، بعد أن عمّر تسعمائة وستين سنة، ودفن في جبل أبي قبيس، ووجهه إلى الكعبة المشرَّفة على ماذكر في كتب السير. ولم تعمرّ حواء بعد آدم إلاّ قليلاً، عاماً واحداً مرضت بعده وماتت، ودفنت إلى جانب آدم(ع).


وفي أيام النبي نوحٍ(ع)، وعندما حصل الطوفان، أوحى الله سبحانه إلى نوحٍ أن يحمل معه في السفينة جثمان أبيه آدم (ع) إلى الكوفة، فحمله إلى ظهر الكوفة، وهو النجف الأشرف، حيث دفنه هناك في المكان المعروف بمرقد نوحٍ(ع)..



اتمنى ان تنال رضاكم واعجابكم واسائلكم الدعاء
العبد الفقير الى الله
حامد عباس رضوان




إذا أعجبك الموضوع فشارك به أصدقااءك وصديقاتك في الفايسبوك
Share


 

توقيع حامد عباس رضوان

منتدياات حد الغربية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

قصص الأنبياء Vide
rouho lfidaa
عضو ماسي
عضو ماسي
rouho lfidaa
ذكر

عدد المساهماات عدد المساهماات :
268

العمر العمر :
35

النقاط النقاط :
362

التّقييم التّقييم :
1

الإنتساب الإنتساب :
07/01/2009

. :
قصص الأنبياء Empty

 

 


مُساهمةموضوع: رد: قصص الأنبياء   قصص الأنبياء Emptyالجمعة 26 فبراير 2010, 19:21


قصة سيدنا ادم قصة لها عبر كثيرة...
ونحن البشر اولاد ادم عليه السلام يجب ان نتبع الهدى صلى الله عليه وسلم

اللهم انا نسالك المغفرة والنجاة من النار يا رب العالمين..

إذا أعجبك الموضوع فشارك به أصدقااءك وصديقاتك في الفايسبوك
Share


 

توقيع rouho lfidaa

منتدياات حد الغربية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

قصص الأنبياء Vide
حامد عباس رضوان
عضو ماسي
عضو ماسي
حامد عباس رضوان
ذكر

عدد المساهماات عدد المساهماات :
194

العمر العمر :
64

النقاط النقاط :
270

التّقييم التّقييم :
3

الإنتساب الإنتساب :
23/10/2008

. :
قصص الأنبياء Empty

 

 


مُساهمةموضوع: قصه سيدنا سليمان عليه السلام كامله   قصص الأنبياء Emptyالسبت 27 فبراير 2010, 09:56

نبذه

آتاه الله العلم والحكمة وعلمه منطق الطير والحيوانات وسخر له الرياح والجن، وكان له قصة مع الهدهد حيث أخبره أن هناك مملكة باليمن يعبد أهلها الشمس من دون الله فبعث سليمان إلى ملكة سبأ يطلب منها الإيمان ولكنها أرسلت له الهدايا فطلب من الجن أن يأتوا بعرشها فلما جاءت ووجدت عرشها آمنت بالله.



سيرته:

(وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ) ورثه في النبوة والملك.. ليس المقصود وراثته في المال، لأن الأنبياء لا يورثون. إنما تكون أموالهم صدقة من بعدهم للفقراء والمحتاجين، لا يخصون بها أقربائهم. قال محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: "نحن معشر الأنبياء لا نورث".

ملك سليمان:

لقد آتى الله سليمان –عليه السلام- ملكا عظيما، لم يؤته أحدا من قبله، ولن يعطه لأحد من بعده إلى يوم القيامة. فقد استجاب الله تعالى لدعوة سليمان (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي). لنتحدث الآن عن بعض الأمور التي سخرها الله لنبيه سليمان عليه السلام. لقد سخر له أمرا لم يسخره لأحد من قبله ولا بعده.. سخر الله له "الجن". فكان لديه –عليه السلام- القدرة على حبس الجن الذين لا يطيعون أمره، وتقييدهم بالسلاسل وتعذيبهم. ومن يعص سليمان يعذبه الله تعالى. لذلك كانوا يستجيبون لأوامره، فيبنون له القصور، والتماثيل –التي كانت مباحة في شرعهم- والأواني والقدور الضخمة جدا، فلا يمكن تحريكها من ضخامتها. وكانت تغوص له في أعماق البحار وتستخرج اللؤلؤ والمرجان والياقوت..

وسخر الله لسليمان –عليه السلام- الريح فكانت تجري بأمره. لذلك كان يستخدمها سليمان في الحرب. فكان لديه بساطا خشبيا ضخم جدا، وكان يأمر الجيش بأن يركب على هذا الخشب، ويأمر الريح بأن ترفع البساط وتنقلهم للمكان المطلوب. فكان يصل في سرعة خارقة.

ومن نعم الله عليه، إسالة النحاس له. مثلما أنعم على والده داود بأن ألان له الحديد وعلمه كيف يصهره.. وقد استفاد سليمان من النحاس المذاب فائدة عظيمة في الحرب والسلم.

ونختم هذه النعم بجيش سليمان عليه السلام. كان جيشه مكون من: البشر، والجن، والطيور. فكان يعرف لغتها.

سليمان والخيل:

بعد عرض أنعم الله عليه، لنبدأ بقصته عليه السلام. وبعض أحداثها.

كان سليمان –عليه السلام- يحب الخيل كثيرا، خصوصا ما يسمى (بالصافنات)، وهي من أجود أنواع الخيول وأسرعها. وفي يوم من الأيام، بدأ استعراض هذه الخيول أمام سليمان عصرا، وتذكر بعد الروايات أن عددها كان أكثر من عشرين ألف جواد، فأخذ ينظر إليها ويتأمل فيها، فطال الاستعراض، فشغله عن ورده اليومي في ذكر الله تعالى، حتى غابت الشمس، فانتبه، وأنب نفسه لأن حبه لهذه الخيول شغله عن ذكر ربه حتى غابت الشمس، فأمر بإرجاع الخيول له (فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ). وجاءت هنا روايتان كلاهما قوي. رواية تقول أنه أخذ السيف وبدأ بضربها على رقابها وأرجلها، حتى لا ينشغل بها عن ذكر الله. ورواية أخرى تقول أنه كان يمسح عليها ويستغفر الله عز وجل، فكان يمسحها ليرى السقيم منها من الصحيح لأنه كان يعدّها للجهاد في سبيل الله.

ابتلاء سليمان:

ورغم كل هذه النعم العظيمة والمنح الخاصة، فقد فتن الله تعالى سليمان.. اختبره وامتحنه، والفتنة امتحان دائم، وكلما كان العبد عظيما كان امتحانه عظيما.

اختلف المفسرون في فتنة سليمان عليه السلام. ولعل أشهر رواية عن هذه الفتنة هي نفسها أكذب رواية.. قيل إن سليمان عزم على الطواف على نسائه السبعمائة في ليلة واحدة، وممارسة الحب معهن حتى تلد كل امرأة منهن ولدا يجاهد في سبيل الله، ولم يقل سليمان إن شاء الله، فطاف على نسائه فلم تلد منهن غير امرأة واحدة.. ولدت طفلا مشوها ألقوه على كرسيه.. والقصة مختلقة من بدايتها لنهايتها، وهي من الإسرائيليات الخرافية.

وحقيقة هذه الفتنة ما ذكره الفخر الرازي. قال: إن سليمان ابتلي بمرض شديد حار فيه الطب. مرض سليمان مرضا شديدا حار فيه أطباء الإنس والجن.. وأحضرت له الطيور أعشابا طبية من أطراف الأرض فلم يشف، وكل يوم كان المرض يزيد عليه حتى أصبح سليمان إذا جلس على كرسيه كأنه جسد بلا روح.. كأنه ميت من كثرة الإعياء والمرض.. واستمر هذا المرض فترة كان سليمان فيها لا يتوقف عن ذكر الله وطلب الشفاء منه واستغفاره وحبه.. وانتهى امتحان الله تعالى لعبده سليمان، وشفي سليمان.. عادت إليه صحته بعد أن عرف أن كل مجده وكل ملكه وكل عظمته لا تستطيع أن تحمل إليه الشفاء إلا إذا أراد الله سبحانه.. هذا هو الرأي الذي نرتاح إليه، ونراه لائقا بعصمة نبي حكيم وكريم كسليمان..

ويذكر لنا القرآن الكريم مواقف عدة، تتجلى لنا فيها حكمة سليمان –عليه السلام- ومقدرته الفائقة على استنتاج الحكم الصحيح في القضايا المعروضه عليه. ومن هذه القصص ما حدث في زمن داود –عليه السلام- قال تعالى:

وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا

جلس داود كعادته يوما يحكم بين الناس في مشكلاتهم.. وجاءه رجل صاحب حقل ومعه رجل آخر..

وقال له صاحب الحقل: سيدي النبي.. إن غنم هذا الرجل نزلت حقلي أثناء الليل، وأكلت كل عناقيد العنب التي كانت فيه.. وقد جئت إليك لتحكم لي بالتعويض..

قال داود لصاحب الغنم: هل صحيح أن غنمك أكلت حقل هذا الرجل؟

قال صاحب الغنم: نعم يا سيدي..

قال داود: لقد حكمت بأن تعطيه غنمك بدلا من الحقل الذي أكلته.

قال سليمان.. وكان الله قد علمه حكمة تضاف إلى ما ورث من والده: عندي حكم آخر يا أبي..

قال داود: قله يا سليمان..

قال سليمان: أحكم بأن يأخذ صاحب الغنم حقل هذا الرجل الذي أكلته الغنم.. ويصلحه له ويزرعه حتى تنمو أشجار العنب، وأحكم لصاحب الحقل أن يأخذ الغنم ليستفيد من صوفها ولبنها ويأكل منه، فإذا كبرت عناقيد الغنم وعاد الحقل سليما كما كان أخذ صاحب الحقل حقله وأعطى صاحب الغنم غنمه..

قال داود: هذا حكم عظيم يا سليمان.. الحمد لله الذي وهبك الحكمة.

ومنها ما جاء في الحديث الصحيح: حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنِى شَبَابَةُ حَدَّثَنِى وَرْقَاءُ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا . فَقَالَتْ هَذِهِ لِصَاحِبَتِهَا إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ أَنْتِ . وَقَالَتِ الأُخْرَى إِنَّما ذَهَبَ بِابْنِكِ . فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ ائْتُونِى بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا . فَقَالَتِ الصُّغْرَى لاَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا . فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى ». قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ قَطُّ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ مَا كُنَّا نَقُولُ إِلاَّ الْمُدْيَةَ.

سليمان والنملة:

ويذكر لنا القرآن الكريم قصة عجيبة:

وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَـتَّى إِذا أتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) (النمل)

يقول العلماء "ما أعقلها من نملة وما أفصحها". (يَا) نادت، (أَيُّهَا) نبّهت، (ادْخُلُوا) أمرت، (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ) نهت، (سُلَيْمَانُ) خصّت، (وَجُنُودُهُ) عمّت، (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) اعتذرت. سمع سليمان كلام النملة فتبسم ضاحكا من قولها.. ما الذي تتصوره هذه النملة! رغم كل عظمته وجيشه فإنه رحيم بالنمل.. يسمع همسه وينظر دائما أمامه ولا يمكن أبدا أن يدوسه.. وكان سليمان يشكر الله أن منحه هذه النعمة.. نعمة الرحمة ونعمة الحنو والشفقة والرفق.

سليمان عليه السلام وبلقيس ملكة سبأ:

ولعل أشهر قصة عن سليمان –عليه السلام- هي قصته مع بلقيس ملكة سبأ.

جاء يوم.. وأصدر سليمان أمره لجيشه أن يستعد.. بعدها، خرج سليمان يتفقد الجيش، ويستعرضه ويفتش عليه.. فاكتشف غياب الهدهد وتخلفه عن الوقوف مع الجيش، فغضب وقرر تعذيبه أو قتله، إلا إن كان لديه عذر قوي منعه من القدوم.

فجاء الهدهد ووقف على مسافة غير بعيدة عن سليمان –عليه السلام- (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) وانظروا كيف يخاطب هذا الهدهد أعظم ملك في الأرض، بلا إحساس بالذل أو المهانة، ليس كما يفعل ملوك اليوم لا يتكلم معهم أحد إلا ويجب أن تكون علامات الذل ظاهرة عليه. فقال الهدهد أن أعلم منك بقضية معينة، فجئت بأخبار أكيدة من مدينة سبأ باليمن. (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً) بلقيس (تَمْلِكُهُمْ) تحكمهم (وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ) أعطاها الله قوة وملكا عظيمين وسخّر لها أشياء كثيرة (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) وكرسي الحكم ضخم جدا ومرصّع بالجواهر (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ) وهم يعبدون الشمس (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ) أضلهم الشيطان (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) يسجدون للشمس ويتركون الله سبحانه وتعالى (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) وذكر العرش هنا لأنه ذكر عرش بلقيس من قبل، فحتى لا يغترّ إنسان بعرشها ذكر عرش الله سبحانه وتعالى.

فتعجب سليمان من كلام الهدهد، فلم يكن شائعا أن تحكم المرأة البلاد، وتعجب من أن قوما لديهم كل شيء ويسجدون للشمس، وتعجب من عرشها العظيم، فلم يصدق الهدهد ولم يكذبه إنما (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) وهذا منتهى العدل والحكمة. ثم كتب كتابا وأعطاه للهدهد وقال له: (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ) ألق الكتاب عليهم وقف في مكان بعيد يحث تستطيع سماع ردهم على الكتاب.

يختصر السياق القرآني في سورة النمل ما كان من أمر ذهاب الهدهد وتسليمه الرسالة، وينتقل مباشرة إلى الملكة، وسط مجلس المستشارين، وهي تقرأ على رؤساء قومها ووزرائها رسالة سليمان..

قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) (النمل)

هذا هو نص خطاب الملك سليمان لملكة سبأ..

إنه يأمر في خطابه أن يأتوه مسلمين.. هكذا مباشرة.. إنه يتجاوز أمر عبادتهم للشمس.. ولا يناقشهم في فساد عقيدتهم.. ولا يحاول إقناعهم بشيء.. إنما يأمر فحسب.. أليس مؤيدا بقوة تسند الحق الذي يؤمن به..؟ لا عليه إذن أن يأمرهم بالتسليم..

كان هذا كله واضحا من لهجة الخطاب القصيرة المتعالية المهذبة في نفس الوقت..

طرحت الملكة على رؤساء قومها الرسالة.. وكانت عاقلة تشاورهم في جميع الأمور: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ).

كان رد فعل الملأ وهم رؤساء قومها التحدي.. أثارت الرسالة بلهجتها المتعالية المهذبة غرور القوم، وإحساسهم بالقوة. أدركوا أن هناك من يتحداهم ويلوح لهم بالحرب والهزيمة ويطالبهم بقبول شروطه قبل وقوع الحرب والهزيمة (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ).

أراد رؤساء قومها أن يقولوا: نحن على استعداد للحرب.. ويبدو أن الملكة كانت أكثر حكمة من رؤساء قومها.. فإن رسالة سليمان أثارت تفكيرها أكثر مما استنفرتها للحرب..

فكرت الملكة طويلا في رسالة سليمان.. كان اسمه مجهولا لديها، لم تسمع به من قبل، وبالتالي كانت تجهل كل شيء عن قوته، ربما يكون قويا إلى الحد الذي يستطيع فيه غزو مملكتها وهزيمتها.

ونظرت الملكة حولها فرأت تقدم شعبها وثراءه، وخشيت على هذا الثراء والتقدم من الغزو.. ورجحت الحكمة في نفسها على التهور، وقررت أن تلجأ إلى اللين، وترسل إليه بهدية.. وقدرت في نفسها أنه ربما يكون طامعا قد سمع عن ثراء المملكة، فحدثت نفسها بأن تهادنه وتشتري السلام منه بهدية.. قدرت في نفسها أيضا إن إرسالها بهدية إليه، سيمكن رسلها الذين يحملون الهدية من دخول مملكته، وإذا سيكون رسلها عيونا في مملكته.. يرجعون بأخبار قومه وجيشه، وفي ضوء هذه المعلومات، سيكون تقدير موقفها الحقيقي منه ممكنا..

أخفت الملكة ما يدور في نفسها، وحدثت رؤساء قومها بأنها ترى استكشاف نيات الملك سليمان، عن طريق إرسال هدية إليه، انتصرت الملكة للرأي الذي يقضي بالانتظار والترقب.. وأقنعت رؤساء قومها بنبذ فكرة الحرب مؤقتا، لأن الملوك إذا دخلوا قرية انقلبت أوضاعها وصار رؤساءها هم أكثر من فيها تعرضا للهوان والذل..

واقتنع رؤساء قومها حين لوحت الملكة بما يتهددهم من أخطار..

وصلت هدية الملكة بلقيس إلى الملك النبي سليمان..

جاءت الأخبار لسليمان بوصول رسل بلقيس وهم يحملون الهدية.. وأدرك سليمان على الفور أن الملكة أرسلت رجالها ليعرفوا معلومات عن قوته لتقرر موقفها بشأنه.. ونادى سليمان في المملكة كلها أن يحتشد الجيش.. ودخل رسل بلقيس وسط غابة كثيفة مدججة بالسلاح.. فوجئ رسل بلقيس بأن كل غناهم وثرائهم يبدو وسط بهاء مملكة سليمان.. وصغرت هديتهم في أعينهم.

وفوجئوا بأن في الجيش أسودا ونمورا وطيورا.. وأدركوا أنهم أمام جيش لا يقاوم..

ثم قدموا لسليمان هدية الملكة بلقيس على استحياء شديد. وقالوا له نحن نرفض الخضوع لك، لكننا لا نريد القتال، وهذه الهدية علامة صلح بيننا ونتمنى أن تقبلها. نظر سليمان إلى هدية الملكة وأشاح ببصره (فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) كشف الملك سليمان بكلماته القصيرة عن رفضه لهديتهم، وأفهمهم أنه لا يقبل شراء رضاه بالمال. يستطيعون شراء رضاه بشيء آخر (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ثم هددهم (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ).

وصل رسل بلقيس إلى سبأ.. وهناك هرعوا إلى الملكة وحدثوها أن بلادهم في خطر.. حدثوها عن قوة سليمان واستحالة صد جيشه.. أفهموها أنها ينبغي أن تزوره وتترضاه.. وجهزت الملكة نفسها وبدأت رحلتها نحو مملكة سليمان..

جلس سليمان في مجلس الملك وسط رؤساء قومه ووزرائه وقادة جنده وعلمائه.. كان يفكر في بلقيس.. يعرف أنها في الطريق إليه.. تسوقها الرهبة لا الرغبة.. ويدفعها الخوف لا الاقتناع.. ويقرر سليمان بينه وبين نفسه أن يبهرها بقوته، فيدفعها ذلك للدخول في الإسلام. فسأل من حوله، إن كان بإمكان احدهم ان يحضر له عرش بلقيس قبل أن تصل الملكة لسليمان.

فعرش الملكة بلقيس هو أعجب ما في مملكتها.. كان مصنوعا من الذهب والجواهر الكريمة، وكانت حجرة العرش وكرسي العرش آيتين في الصناعة والسبك.. وكانت الحراسة لا تغفل عن العرش لحظة..

فقال أحد الجن أنا أستطيع إحضار العرش قبل أن ينتهي المجلس –وكان عليه السلام يجلس من الفجر إلى الظهر- وأنا قادر على حمله وأمين على جواهره.

لكن شخص آخر يطلق عليه القرآن الكريم "الذي عنده علم الكتاب" قال لسليمان أنا أستطيع إحضار العرش في الوقت الذي تستغرقه العين في الرمشة الواحدة.

واختلف العلماء في "الذي عنده علم الكتاب" فمنهم من قال أنه وزيره أو أحد علماء بني إسرائيل وكان يعرف اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب. ومنهم من قال أنه جبريل عليه السلام.

لكن السياق القرآني ترك الاسم وحقيقة الكتاب غارقين في غموض كثيف مقصود.. نحن أمام سر معجزة كبرى وقعت من واحد كان يجلس في مجلس سليمان.. والأصل أن الله يظهر معجزاته فحسب، أما سر وقوع هذه المعجزات فلا يديره إلا الله.. وهكذا يورد السياق القرآني القصة لإيضاح قدرة سليمان الخارقة، وهي قدرة يؤكدها وجود هذا العالم في مجلسه.

هذا هو العرش ماثل أمام سليمان.. تأمل تصرف سليمان بعد هذه المعجزة.. لم يستخفه الفرح بقدرته، ولم يزهه الشعور بقوته، وإنما أرجع الفضل لمالك الملك.. وشكر الله الذي يمتحنه بهذه القدرة، ليرى أيشكر أم يكفر.

تأمل سليمان عرش الملكة طويلا ثم أمر بتغييره، أمر بإجراء بعض التعديلات عليه، ليمتحن بلقيس حين تأتي، ويرى هل تهتدي إلى عرشها أم تكون من الذين لا يهتدون.

كما أمر سليمان ببناء قصر يستقبل فيه بلقيس. واختار مكانا رائعا على البحر وأمر ببناء القصر بحيث يقع معظمه على مياه البحر، وأمر أن تصنع أرضية القصر من زجاج شديد الصلابة، وعظيم الشفافية في نفس الوقت، لكي يسير السائر في أرض القصر ويتأمل تحته الأسماك الملونة وهي تسبح، ويرى أعشاب البحر وهي تتحرك.

تم بناء القصر، ومن فرط نقاء الزجاج الذي صنعت منه أرض حجراته، لم يكن يبدو أن هناك زجاجا. تلاشت أرضية القصر في البحر وصارت ستارا زجاجيا خفيا فوقه.

يتجاوز السياق القرآني استقبال سليمان لها إلى موقفين وقعا لها بتدبيره: الأول موقفها أمام عرشها الذي سبقها بالمجيء، وقد تركته وراءها وعليه الحراس. والثاني موقفها أمام أرضية القصر البلورية الشفافة التي تسبح تحتها الأسماك.

لما اصطحب سليمان عليه السلام بلقيس إلى العرش، نظرت إليه فرأته كعرشها تماما.. وليس كعرشها تماما.. إذا كان عرشها فكيف سبقها في المجيء..؟ وإذا لم يكن عرشها فكيف أمكن تقليده بهذه الدقة ..؟

قال سليمان وهو يراها تتأمل العرش: (أَهَكَذَا عَرْشُكِ؟)

قالت بلقيس بعد حيرة قصيرة: (كَأَنَّهُ هُوَ!)

قال سليمان: (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ).

توحي عبارته الأخيرة إلى الملكة بلقيس أن تقارن بين عقيدتها وعلمها، وعقيدة سليمان المسلمة وحكمته. إن عبادتها للشمس، ومبلغ العلم الذي هم عليه، يصابان بالخسوف الكلي أمام علم سليمان وإسلامه.

لقد سبقها سليمان إلى العلم بالإسلام، بعدها سار من السهل عليه أن يسبقها في العلوم الأخرى، هذا ما توحي به كلمة سليمان لبلقيس..

أدركت بلقيس أن هذا هو عرشها، لقد سبقها إلى المجيء، وأنكرت فيه أجزاء وهي لم تزل تقطع الطريق لسليمان.. أي قدرة يملكها هذا النبي الملك سليمان؟!

انبهرت بلقيس بما شاهدته من إيمان سليمان وصلاته لله، مثلما انبهرت بما رأته من تقدمه في الصناعات والفنون والعلوم.. وأدهشها أكثر هذا الاتصال العميق بين إسلام سليمان وعلمه وحكمته.

انتهى الأمر واهتزت داخل عقلها آلاف الأشياء.. رأت عقيدة قومها تتهاوى هنا أمام سليمان، وأدركت أن الشمس التي يعبدها قومها ليست غير مخلوق خلقه الله تعالى وسخره لعباده، وانكسفت الشمس للمرة الأولى في قلبها، أضاء القلب نور جديد لا يغرب مثلما تغرب الشمس.

ثم قيل لبلقيس ادخلي القصر.. فلما نظرت لم تر الزجاج، ورأت المياه، وحسبت أنها ستخوض البحر، (وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا) حتى لا يبتل رداؤها.

نبهها سليمان -دون أن ينظر- ألا تخاف على ثيابها من البلل. ليست هناك مياه. (إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ).. إنه زجاج ناعم لا يظهر من فرط نعومته..

اختارت بلقيس هذه اللحظة لإعلان إسلامها.. اعترفت بظلمها لنفسها وأسلمت (مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). وتبعها قومها على الإسلام.

أدركت أنها تواجه أعظم ملوك الأرض، وأحد أنبياء الله الكرام.

يسكت السياق القرآني عن قصة بلقيس بعد إسلامها.. ويقول المفسرون أنها تزوجت سليمان بعد ذلك.. ويقال أنها تزوجت أحد رجاله.. أحبته وتزوجته، وثبت أن بعض ملوك الحبشة من نسل هذا الزواج.. ونحن لا ندري حقيقة هذا كله.. لقد سكت القرآن الكريم عن ذكر هذه التفاصيل التي لا تخدم قصه سليمان.. ولا نرى نحن داعيا للخوض فيما لا يعرف أحد..

هيكل سليمان:

من الأعمال التي قام بها سليمان –عليه السلام- إعادة بناء المسجد الأقصى الذي بناه يعقوب من قبل. وبنى بجانب المسجد الأقصى هيكلا عظيما كان مقدسا عند اليهود –ولا زالوا يبحثون عنه إلى اليوم. وقد ورد في الهدي النبوي الكريم أن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه عز وجل ثلاثا، فأعطاه الله اثنتين ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة: سأله حكما يصادف حكمه –أي أحكاما عادلة كأحكام الله تعالى- فأعطاه إياه، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، وأسأل الله أن تكون لنا.

وقد تفننت التوراة في وصف الهيكل.. وهذا بعض ما ورد في التوراة عنه:

كان هيكل سليمان في أورشليم هو مركز العبادة اليهودية، ورمز تاريخ اليهود، وموضع فخارهم وزهوهم.. وقد شيده الملك سليمان وأنفق ببذخ عظيم على بنائه وزخرفته.. حتى لقد احتاج في ذلك إلى أكثر من 180 ألف عامل (سفر الملوك الأول).. وقد أتى له سليمان بالذهب من ترشيش، وبالخشب من لبنان، وبالأحجار الكريمة من اليمن، ثم بعد سبع سنوات من العمل المتواصل تكامل بناء الهيكل، فكان آية من آيات الدنيا في ذلك الزمان.

وامتدت يد الخراب إلى الهيكل مرات عديدة، إذ كان هدفا دائما للغزاة والطامعين ينهبون ما به من كنوز، ثم يشيعون فيه الدمار، (سفر الملوك الثاني).. ثم قام أحد الملوك بتجديد بنائه تحببا في اليهود.. فاستغرق بناء الهيكل هذه المرة 46 سنة، أصبح بعدها صرحا ضخما تحيط به ثلاثة أسوار هائلة.. وكان مكونا من ساحتين كبيرتين: إحداهما خارجية والأخرى داخلية، وكانت تحيط بالساحة الداخلية أروقة شامخة تقوم على أعمدة مزدوجة من الرخام، وتغطيها سقوف من خشب الأرز الثمين. وكانت الأروقة القائمة في الجهة الجنوبية من الهيكل ترتكز على 162 عمودا، كل منها من الضخامة بحيث لا يمكن لأقل من ثلاثة رجال متشابكي الأذرع أن يحيطوا بدائرته.. وكان للساحة الخارجية من الهيكل تسع بوابات ضخمة مغطاة بالذهب.. وبوابة عاشرة مصبوبة كلها على الرغم من حجمها الهائل من نحاس كونثوس. وقد تدلت فوق تلك البوابات كلها زخارف على شكل عناقيد العنب الكبيرة المصنوعة من الذهب الخالص، وقد استمرت هدايا الملوك للهيكل حتى آخر زمانه (سفر الملوك الأول)، فكان يزخر بالكنوز التي لا تقدر بثمن..

وفاته عليه السلام:

عاش سليمان وسط مجد دانت له فيه الأرض.. ثم قدر الله تعالى عليه الموت فمات.. ومثلما كانت حياة سليمان قمة في المجد الذي يمتلئ بالعجائب والخوارق.. كان موته آية من آيات الله تمتلئ بالعجائب والخوارق.. وهكذا جاء موته منسجما مع حياته، متسقا مع مجده، جاء نهاية فريدة لحياة فريدة وحافلة.

لقد قدر الله تعالى أن يكون موت سليمان عليه الصلاة والسلام بشكل ينسف فكرة معرفة الجن للغيب.. تلك الفكرة التي فتن الناس بها فاستقرت في أذهان بعض البشر والجن..

كان الجن يعملون لسليمان طالما هو حي.. فلما مات انكسر تسخيرهم له، وأعفوا من تبعة العمل معه..

وقد مات سليمان دون أن يعلم الجن، فظلوا يعملون له، وظلوا مسخرين لخدمته، ولو أنهم كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.

كان سليمان متكئا على عصاه يراقب الجن وهم يعملون. فمات وهو على وضعه متكئا على العصا.. ورآه الجن فظنوا أنه يصلي واستمروا في عملهم. ومرت أيام طويلة.. ثم جاءت دابة الأرض، وهي نملة تأكل الخشب.. وبدأت تأكل عصا سليمان.. كانت جائعة فأكلت جزء من العصا.. استمرت النملة تأكل العصا أياما.. كانت تأكل الجزء الملامس للأرض، فلما ازداد ما أكلته منها اختلت العصا وسقطت من يد سليمان.. اختل بعدها توازن الجسد العظيم فهوى إلى الأرض.. ارتطم الجسد العظيم بالأرض فهرع الناس إليه..

أدركوا أنه مات من زمن.. تبين الجن أنهم لا يعلمون الغيب.. وعرف الناس هذه الحقيقة أيضا.. لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين، ما لبثوا يعملون وهم يظنون أن سليمان حي، بينما هو ميت منذ فترة..

بهذه النهاية العجيبة ختم الله حياة هذا النبي الملك.


اتمنى ان انال رضاكم واعجابكم واسائلكم الدعاء
العبد الفقير الى الله
حامد عباس رضوان







إذا أعجبك الموضوع فشارك به أصدقااءك وصديقاتك في الفايسبوك
Share


 

توقيع حامد عباس رضوان

منتدياات حد الغربية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

قصص الأنبياء Vide
حامد عباس رضوان
عضو ماسي
عضو ماسي
حامد عباس رضوان
ذكر

عدد المساهماات عدد المساهماات :
194

العمر العمر :
64

النقاط النقاط :
270

التّقييم التّقييم :
3

الإنتساب الإنتساب :
23/10/2008

. :
قصص الأنبياء Empty

 

 


مُساهمةموضوع: قصه موسى (عليه السلام)   قصص الأنبياء Emptyالسبت 27 فبراير 2010, 10:05


موسى (عليه السلام)
كان يوسف (عليه السلام) ملكاً في مصر، وقد جمع بين النبوّة، والملوكية، فكان ينظّم أمر الناس على وفق العدل والحكمة.
وحين حضرته الوفاة جمع آل يعقوب، وهم ثمانون رجلاً.. فقال لهم: إنّ هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ويكون الملك للكافرين ويصبح المؤمن في هذه البلاد ذليلاً بأيديهم.. ويسومونكم سوء العذاب. وإنما ينجّيكم الله من أيديهم، برجل من ولد (لاوي) بن (يعقوب) اسمه: موسى بن عمران.
وبعدما أخبر يوسف بني إسرائيل بهذا الخبر، حزنوا لما يتوقعونه من البلاء، وفرحوا بما ينتظرونه من الفرج على يد نبيّ من بني أبيهم.. ومات يوسف (عليه السلام).
فملك بعده رجلاً لا يسير سيرة يوسف في كل كبير وصغير.. وكيف يعدل بيوسف غيره: وهو نبيّ من عند الله تعالى لا يأمر إلا بالخير، ولا يفعل إلا الخير. ثم مات الملك..
وملك بعده رجل آخر، وكان عاتياً فاجراً.. وهكذا أقام بنو إسرائيل، بعد وفاة يوسف، وقد كثروا، وانتشروا، متمسّكين بدين آبائهم يوسف، ويعقوب، وإسحاق وإبراهيم (عليهم السلام).
حتى زمان الملك فرعون.. وهذا الملك الطاغي فتح لمصر صفحة جديدة من الطغيان والإرهاب، وخصّص لبني إسرائيل ألواناً من العذاب والنكال.
كان بنو إسرائيل ينتظرون مقدم موسى (عليه السلام) لينجّيهم من طغيان فرعون وقسوته. وكان كلّما ولد لأحدهم مولود سموه عمراناً.. فإذا كبر عمران، سمّى ولده موسى رجاءً لأن يكون هو الذي وعد به يوسف (عليه السلام) حين حضرته الوفاة ولكن خابت الظنون، فلم يكن موسى الموعود أحدهم.
واغتنم بعض متطلبي الرئاسة هذا الوعد، فجعل من نفسه موسى النبيّ! حتى ادّعى خمسون من بني إسرائيل انهم هم الذين وعدهم يوسف، وكلّهم يدّعي أنه ينزل عليه الوحي، وانه هو مخلص بني إسرائيل، كذباً وافتراءً!
ولم يزل فرعون يسمع هذه الأخبار عن بني إسرائيل وكان قد علم أن بني إسرائيل يرجفون به ويطلبون هذا الغلام. فاستشار كهنته وسحرته في هذا الأمر المهم.
قالوا: إن المسموع صحيح، وهلاك دينك وقومك على يدي هذا الغلام.
وحدّدوا وقت ولادة الغلام بعامِ مخصوص. وهنا ثار ثائر فرعون، وجعل يخبط خبط العشواء للظفر بهذا الذي سيولد، مما يكون بيده هلاكه وتقضي أيامه!! أما كيف يصنع؟ وكيف يظفر على هذا المولود فهو سر مغلق، لا تساعده حيلته على ذلك!!
وأخيراً ارتأى أبشع الآراء، وقرّر تنفيذه بكل صرامةٍ وقسوةٍ. جعل القوابل على النساء، في ذلك العام الذي أخبر بولادة موسى فيه وأمر بأن يذبح كل غلام يولد في ذلك العام، ليستريح من موسى من أوّل أمره.
وعجّ بنو إسرائيل من هذا الحكم الإجراميّ واجتمع بعضهم إلى بعض لحلّ المشكلة. وكان فيهم عمران والد النبي موسى (عليه السلام).
فقال بعضهم: إذا ذبح الغلمان واستحيى النساء هلكنا ولم يبق لنا نسبٌ، فمن الرأي أن لا ينكح رجالنا نساءنا حتى لا يولد لنا مولود.. وبذلك ننقرض جميعاً، أما أن تبقى البنات ويذبح الأولاد فمعنى ذلك: أن نقدّم بناتنا إلى آل فرعون غنيمة باردة. لكنّ عمران أبى هذا الرأي.. وقال: أمر الله واقعٌ ولو كره المشركون.
وقد أصرّ فرعون في تعذيب بني إسرائيل، وقتل أطفالهم، حتى قتل من أطفال بني إسرائيل نيفاً وعشرين ألف مولود. بالإضافة إلى ما كان يأمر به من تعذيب الرجال والنساء. وقد كان من صنوف تعذيبه أن أمر بتقييد أرجلهم لئلا يفرّوا.. ثم كان يستعملهم في البناء، فكانوا ينقلون الطين على السلالم إلى السطوح، بأرجل مقيدة.. وكثيراً ما كانوا يقعون من السلّم فيموتون أو يزمنون، أو يصابون بصنوف الرض والكسر والتشويه.
وفي مثل هذا الوقت.. وفي هذا الجوّ الخانق تعذيباً وإرهاباً.. حملت أمّ موسى.. فوكل بها فرعون قابلةً تترقّب ولادتها، فإن كان الولد ذكراً ذبحه وإن كانت أُنثى استحياها.. وألحت القابلة في حراستها، فإذا قامت الأم قامت القابلة في إثرها، وإذا جلست جلست القابلة إزاءها لئلا يفوتها زمنٌ من حالها.
لكنّ الله تعالى شاء أن تنقلب القابلة عن هذه الصرامة، فأحبّت أُمّ موسى حباً كبيراً، لما رأت فيها من الأخلاق الفاضلة والأدب الرفيع. أما الأُمّ فقد أخذها الخوف، وظهر على ملامحها فشحب وجهها ومال إلى الاصفرار.
قالت القابلة يوماً لأُمّ موسى: يا بنية، ما لك تصفرّين وتذوين؟
فأجابت الأمّ قائلة: لا تلوميني، كيف لا أخاف انّه إذا ولدت أخذ الولد وذبح!
لكن القابلة سلّتها، وقالت: لا تحزني، فإني سوف اكتم عليك.
أما الأم فقد ظلّت في شك من هذا الوعد، إلى أن ولدت بموسى (عليه السلام)، وكانت القابلة حاضرة حين الولادة، فالتفتت إليها أُمّ موسى، وملء نظرها استعطاف واستيفاء للوعد.. وفوّضت أمرها إلى الله قائلةً: ما شاء الله، وانتظرت أمر القابلة.
ولما أن سمع الناس ولولة الطلق، ذهبوا يخبرون الحرس الملكي، الذين وكّلوا بذبح الأطفال، فحضروا باب البيت، وتحيّرت القابلة في الأمر، ماذا تجيب الحرس؟ وكيف تنقض عهداً عهدته إلى الأمّ المحببة إليها؟
لكنها أخيراً، توجّهت إلى الأمً قائلة: إني سوف اكتم عليك، كما وعدتك فلا تخافي، وحملت الأم والولد فأدخلتها المخدع، وأصلحت بعض أمرها، ثم خرجت إلى الحرس قائلة: انصرفوا، فانّه خرج دم منقطع. فانصرف الحرس، واطمأنت الأمّ، وجزت القابلة خيراً.
وهكذا شاء الله تعالى أن يخلّص نبيّه العظيم موسى (عليه السلام) من براثن فرعون المجرم، وحرسه القساة (وأوحينا إلى أمّ موسى أن أرضعيه) فأرضعت الأمّ ولدها الحبيب، بكلّ لهفةٍ وحنان. لكنّها خافت أن يبكي موسى، فيعرف الجيران خبرها، فتقع فيما فرّت منه.
فألهمها الله تعالى أن (..إذا خفت عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني..) فصنعت أُمّ موسى تابوتاً من خشب، ووضعت ابنها الحبيب فيه، وطبقت التابوت بحيث لا يدخل فيه الماء وذهبت ليلاً إلى الماء. ثم طرحت التابوت في النيل، وقلبها ممتلئ كآبةً وحزناً.
لكن الماء أبى أن يفرّق بين الوالدة الحزينة والولد الحبيب، فجعلت الأمواج تدفع التابوت إلى الجرف.. والوالدة تدفع التابوت إلى الغمر، خوفاً وحزناً! إلى أن ضربت الريح التابوت نحو مجرى الماء، فانطلق به.
لكن الأم كيف تصبر؟ فهمّت أن تصيح لوعةً وشجناً، فربط الله على قلبها، وحفظها (وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها). ووعد الله الأم أن يرد الولد إليها، وبشّرها بأن يجعله من المرسلين (إنّا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين).
التابوت ينطلق في الماء، حسب لهب الريح ومجرى الماء.. والولد يكلأه الله بلطفه ورعايته في جوف الصندوق.. والأم أخذت ترجع إلى البيت بقلبٍ والهٍ وأن لمس شيئاً من الهدوء والاطمئنان تصديقاً بوعد الله.
فما هي العاقبة؟
كانت لفرعون امرأةً صالحة تسمى (آسية) من قبيلة بني إسرائيل، وكانت تخالف زوجها في العقيدة والرأي، لكنّها كانت تسرّ معتقدها، خوفاً من سطوة فرعون الجبار الطاغي.
وأتت أيام الربيع فقالت آسية لفرعون: هذه أيام الربيع فأمر لي بضرب قبّة على النيل لكي أتنزّه في هذه الأيام الجميلة. فأمر فرعون بضرب قبةٍ لها على الشطّ، وخرجت هي مع لمّةٍ من جواريها.
وبينما الجواري على الماء.. إذ رأين الأمواج تعلو وتهبط بشيء، ورأت آسية الصندوق في وسط الغمر، فقالت للجواري: ما ترين؟ قلن: يا سيدتنا، إنا لنرى شيئاً كما ترين.. وأتى الماء بالصندوق إلى القرب منهن، فاندفعن في الماء حتى أخذنه، وقد كاد أن ينفلت من أيديهن.
فتحت آسية الصندوق، وإذا فيه طفل جميل كفلقة القمر، فأوقع الله في قلبها محبة منه (ألقيت عليك محبة مني) ووضعت الولد في حجرها، وتفكّرت في أن تتخذه ابناً لها.. فأعلمت الجواري، وقالت: هذا ابني.. وأقرّتها الجواري بهذا التبنّي الميمون.
فقلن: أي والله، أي سيّدتنا، ما لك ولدٌ ولا للملك ـ يقصدن فرعون ـ فاتّخذيه ولداً.
ولكن.. يا ترى، هل يرضى فرعون بذلك؟
قامت آسية إلى فرعون.. فقالت له: إني أصبت غلاماً طيّباً حلواً، نتّخذه ولداً، فيكون قرّة عين لي ولك، فلا تقتله.
قال فرعون: ومن أين هذا الغلام؟
قالت آسية: لا والله ما أدري، إلا أن الماء جاء به..
لكن فرعون أبى أن يقبل قولها.. وهمّ أن يقتله، لما توجس خيفة، من أن يكون الولد من بني إسرائيل.. فألحّت آسية في الإصرار، وشفعت شمائل الولد الحلوة، في قبول فرعون تبنّي الولد.. وسمّاه (موسى) لأنه التقط من الماء.
ولما سمع الناس أن الملك قد تبنّى ابناً.. أرسل كبراء الناس نساءهم إلى آسية لتكون لموسى عليه السلام ظئراً ومربية.. وكلما تقدّمت النساء إلى موسى، لتلقمه ثديها، أعرض عن الثدي، فتحيّرت آسية في أمره.. ماذا تصنع به؟
ثم أمرت جواريها أن يطلبن كلّ امرأة مرضعة أو ذات لبن، ولا يحقرن أحداً كيف ما كان شأنها ومنزلتها فلعل موسى يقبل إحداهن.. أما أم موسى فقد كانت تترقب الأخبار عن ولدها. إذ أنها لم تعلم ما صنع به في النيل! لكنّها لم تظفر بخبر صحيح عن ولدها..
فقالت لابنتها ـ أخت موسى ـ : قصيه وانظري أترين لأخيك من أثر.. فانطلقت البنت تفحص عن موسى الرضيع هنا وهناك، لكنّها لم تقع على خبر؟!
وانتهى بها السير إلى باب دار الملك (فرعون) ودخلت الدار فيمن دخل.. وإذا بها ترى موسى أخاها في حضن آسية.. وقد التمست النساء لإرضاعه، لكنّه يأبى عن قبول لبنهن، وذلك بمشيئة من الله تعالى (وحرّمنا عليه المراضع من قبل).
توجّهت البنت الزكيّة إلى امرأة فرعون قائلة: قد بلغني أنكم تطلبون ظئراً.. وهنا امرأة صالحة تأخذ ولدكم، وتكفله لكم.
قالت بعض النساء: يظهر أن هذه البنت تعرف أم الغلام وإلا فمن أين لها بالظئر!
أجابت البنت الفطنة: أردت نصحكم.. فإني اعرف امرأة مرضعةً، وإن لم تحبوا أن آتي بها فلا ضير.
لكن آسية أمرت بأن تأتي بالمرضعة، فلعل موسى يقبل ثديها. فركضت البنت إلى أمّها تبشرها بالخبر.. وتبعتها الأمّ إلى دار فرعون. فلمّا دخلت الدار..
قالت آسية: ممن أنت؟
قالت الأم: من بني إسرائيل.
قالت آسية: اذهبي يا بنيّة، فليس لنا فيك حاجة.
توجهت النساء إلى آسية قائلات: انظري يا آسية هل يقبل الطفل الثدي أو لا يقبل؟
فقالت امرأة فرعون: أرأيتم لو قبل.. هل يرضى فرعون أن يكون الغلام من بني إسرائيل والمرأة ـ تعني الظئر ـ من بني إسرائيل؟ إن فرعون لا يرضى بذلك أبداً.
قالت النساء: فانظري يقبل أو لا يقبل؟
وقد كانت أُمّ موسى خرجت من عند آسية عندما قالت لها اذهبي يا بنيّة.. فأرسلت آسية ـ بعض الجواري ـ عليها لترجع. فركضت أخت موسى، إلى أمّها تخبرها بالبشارة قائلة: إن امرأة الملك تدعوك.. فأتت الأم فرحة، ودخلت على آسية.
فدفعت آسية الولد إليها، والنسوة ينظرن، أخذت الأمّ ولدها، ووضعته في حجرها، ثم ألقمته ثديها، وإذا بموسى يقبل على المصّ إقبالاً عظيماً واللّبن يجري في فمه. فرحت آسية.. وفرحت النسوة.. وفرحت الأمّ فرحاً كبيراً. قامت آسية إلى فرعون، تخبره الخبر، وتستأذنه في أمر الظئر الإسرائيلية.
فقالت: إنّي قد أصبت لابني ظئراً، وقد قبل منها الرضاع.
قال فرعون: وممن هي؟
قالت آسية: من بني إسرائيل!
قال فرعون: هذا مما لا يكون أبداً: الغلام من بني إسرائيل! والظئر من بني إسرائيل!
فلم تزل آسية تلحّ عليه، وتستعطفه في أمر الغلام وتقول له: وماذا تخاف؟ إنّ الغلام ابنك وينشأ في حجرك.. فهل تراه يبارزك ويخاصمك؟ هذا مما لا يكون.
حتى قبل فرعون، ورضي بالظئر الإسرائيلي (فرددناه إلى أمّه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون).
فنشأ موسى في حضن فرعون وداره، في عز واحترام، بينما كان فرعون وجلاوزته يقتلون أولاد بني إسرائيل، خوفاً من أن ينشأ فيهم من أخبر المنجّمون بأنّ زوال ملك فرعون بيده.
وهكذا شاء الله أن يربي نبيه العظيم، في حضن أعدى أعدائه (فالتقطته آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً).
وقد كتمت القابلة.. والأُمّ.. والأخت.. خبر موسى، ومضى زمانٌ، وأتى زمانٌ، واستغنى موسى عن الرضاع، وماتت الأم، وماتت القابلة، وبقي موسى في حجر فرعون، يكلأه الله برعايته ويربيه فرعون ينظر إليه نظر الأب إلى ابنه.
وفي ذات يوم حدث أن موسى ـ وهو غلام صغير يدرج ـ عطس عطسةً فقال: الحمد لله رب العالمين.
فأنكر فرعون ذلك عليه، ولطمه موسى على وجهه وقال: ما الذي تقول؟ فوثب على لحية فرعون ـ وكانت طويلة ـ فقلع بعضها! فهمّ فرعون بقتله!
قالت آسية ـ متشفعةً ـ : إنه غلام حدث ما يدري ما يقول..
فقال فرعون: بلى يدري. قالت آسية: فامتحنه: ضع بين يديه تمراً وجمراً، فإن ميّز بينهما، فافعل ما تريد.
فأمر فرعون بأن يوضع إزاء موسى طبقاً من تمر وكانوناً من جمر.. فمدّ موسى يده إلى الجمر، ووضعه في فمه.. فاحترق لسانه ويده، وبكى بكاءً مراً!
فقالت آسية لفرعون: ألم أقل لك: إنه لا يعقل. فعفا فرعون عنه..
أمّا بنو إسرائيل، الذين كانوا تحت اضطهاد فرعون ونكاله، فقد كانوا منتظرين مقدم موسى، ولكنّهم لم يكونوا يعلمون أنّه قد ولد.. فكانوا يتذاكرون وعد يوسف (عليه السلام)، وينتظرون نبيّهم المخلّص لهم من أيدي الجبارين.. وكانوا يسأل بعضهم بعضاً عن وقت الفرج، لكن.. لم يكونوا يعرفون ذلك بالضبط.
ولما علم فرعون بإلحاحهم في طلب مخلّصهم زاد في تعذيبهم، وأمر بأن يفرّق بين رجالهم ونسائهم، كي لا يولد لهم المولود المنتظر. ومنع عن مذاكرة موسى منعاً باتاً، ولم يدر أن موسى في بيته!
وقد أثّر الضغط الشديد في بني إسرائيل، فلم يقدروا على ذكر اسم موسى إلا في ظلمات الليل، والخفايا، كي لا يرفع أمرهم إلى الطاغية فرعون. فخرجوا! ذات ليلة مقمرة إلى كبير لهم، له علم ومعرفة، يسألونه عن موعد الفرج؟
قالوا للشيخ: قد كنّا نستريح إلى أخبارك من قبل، وكانت بشائرك بالفرج تسري عنّا بعض الهموم. فإلى متى نحن في هذا البلاء؟ إن فرعون يقتل رجالنا، ويشق بطون نسائنا الحبالى، ويذبح أطفالنا. فمتى الفرج؟
قال الشيخ: إنكم لا تزالون في البلاء حتى يجيء الله تعالى بغلام من ولد لاوي بن يعقوب.. اسمه موسى بن عمران، غلامٌ طوالٌ جعدٌ. وعند ذلك يكون الفرج.
وبينما هم في الحديث، بين يأس ورجاء، إذ طلع عليهم موسى من بعيد.. وهو إذ ذاك حديث السن، وقد خرج من دار فرعون، وهم يزعمون أنه يريد النزهة. لكن موسى كان قاصداً نحو بني إسرائيل، ميمّماً وجهه شطر ذلك الاجتماع المنعقد في ظلمة الليل، وقف على القوم، فتوسّم الشيخ فيه الملامح الموعودة.
فقال: ما اسمك يرحمك الله؟
قال: موسى..
قال الشيخ: ابن من؟
قال: ابن عمران.. فانكبّ الشيخ على قدميه يقبّلهما.
وعرف بنو إسرائيل نبيّهم، فأقبلوا إليه يقبّلون يده ورجله، في فرح وغبطة ثم ودّعهم موسى قائلاً لهم: أرجو أن يعجّل الله فرجكم! وذهب إلى دار فرعون. وفي هذا الوقت علم بنو إسرائيل أن الفرج قد اقترب.. وانّه قد شبّ مخلّصهم من فرعون.
خرج موسى ذات يوم يتفرّج.. فدخل مدينة لفرعون، وبينما هو يسير، فإذا به يرى رجلين يقتتلان (هذا من شيعته) من بني إسرائيل (وهذا من عدوه) من القبط، فكان أحدهما يقول بقول موسى، وكان الآخر يقول بقول فرعون (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) قال الإسرائيلي: يا موسى نجني من هذا القبطي. فتقدم موسى إلى القبطي (فوكزه) ضربه بيده، وكانت الوكزة شديدة، لما كان لـ(موسى) من قوة وبطش (فقضى عليه) ومات القبطي في مكانه. قال موسى: هذا الاقتتال من عمل الشيطان.
فانتشر أمر موسى في الناس، وقالوا: إنه قتل رجلاً من القبط (فأصبح في المدينة خائفاً يترقب). وخرج في غد ذلك اليوم يتحسّس الأخبار، فإذا به يمرّ بذلك الرجل الإسرائيلي، وهو يتقاتل مع رجل قبطي آخر.. ولما أن رأى الإسرائيلي موسى استصرخه وطلب منه العون في إنجائه من القبطي. توجه موسى إلى الإسرائيلي، وقال له: (إنك لغوي مبين) كل يوم تقاتل رجلاً؟!
لكن موسى ـ بعدما قال هذا الكلام للإسرائيلي ـ نحى نحو القبطي ليزجره وينصر الإسرائيلي (ولما أراد أن يبطش بالذي هو عدوّ لهما) زعم الإسرائيلي أن موسى يريد الانتقام منه.. فاضطرب وتوجه إلى موسى قائلاً: (أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين)؟! فخاف موسى أن يتبيّن أمره، ويلقى القبض عليه فهرب من محل المنازعة، واختفى.
كان خازن فرعون مؤمناً بموسى (عليه السلام) وكان قد كتم إيمانه عن فرعون.. وبعد الواقعة استشار فرعون أصحابه في أمر موسى؟ وأخيراً استقرّ رأيه على أن يقتله. لكن الله شاء أن يحفظ موسى من القتل.
فأخذ الخازن يناقش فرعون في قتل موسى وقال: (أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله)؟ لكن لم تنفع المناقشة، وصدر حكم القتل، فلم ير الخازن حلاً للمسألة إلا أن يخبر موسى بالمؤامرة لينجو بنفسه.
(وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين) وسمع موسى كلام الخازن (فخرج منها خائفاً يترقّب) بغير دابّةٍ، ولا خادم ولا زادٍ متضرعاً إلى الله تعالى، قائلاً: (رب نجني من القوم الظالمين) وكان يخاف أن يلحقه الطلب!
لكن الله حفظ نبيه عن أذى فرعون وقومه، فلم يظفروا به، حتى خرج من بلادهم.. وورد إلى بلاد آخرين (ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل).
سار موسى (عليه السلام).. ترفعه أرض وتخفضه أخرى، حتى أتى إلى ارض مدين، فرفعت له من البعيد شجرةٌ، فقصدها ليستظلّ بها، ولما اقترب منها رأى تحتها بئراً (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أُمّةً من الناس يسقون). ونظر في ناحية، فإذا يرى جاريتين معهما غنمٌ تنتظران صدور القوم، حتى تسقيا غنمهما، من فضل ما بقي في الحوض.
فقال لهما موسى: (ما خطبكما)؟ ولماذا تنتظران؟ (قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخٌ كبير). فرقّ موسى لحالهما، ودنا من البئر، وقال لمن على البئر: أستقي دلوين دلواً لكم، ودلواً لي؟ وكان الدلو كبيراً يحتاج مدُّه إلى جماعة... فقبل القوم كلامه لما رأوا فيه من المنفعة لأنفسهم، فتقدّم موسى (عليه السلام) وحده ـ وكان قويا ـ فاستقى وحده دلواً لمن على البئر ثم استقى دلواً آخر للجاريتين، وسقى أغنامهما.
( ثم تولّى إلى الظلّ فقال رب إني لما أنزلت إليّ من خيرٍ فقيرٌ) وكان (عليه السلام) حينذاك جائعاً لم يأكل منذ ثلاثة أيام شيئاً! وكان قد استولى عليه الضعف، والتعب.. فقد قطع الطريق بين مصر ومدين راجلاً خائفاً، ولم يعتد ذلك من قبل حيث انه كان في ظلّ نعيمٍ في بيت الملك، مهيئاً له أفضل الأطعمة، وأحسن المراكب، وأسبغ الرفاه والأمن.
فتضرّع إلى الله تعالى، في أن يمنحه الراحة والأمن والمأكل. استجاب الله دعاء موسى (عليه السلام). فما أن رجعت المرأتان إلى داريهما ـ وكان أبوهما نبياً من أنبياء الله تعالى، واسمه: شعيب (عليه السلام) ـ حتى أخبرتاه بنبأ موسى.
إن شعيب سأل ابنتيه، قائلاً: أسرعتما الرجوع اليوم؟ وقد كانتا اعتادتا التأخر حتى يصدر الرعاء.
فقالتا: وجدنا رجلاً صالحاً رحيماً، فسقى لنا مع القوم، وهذا سبب مجيئنا قبل كل يوم.
فقال شعيب، لواحدة منهما: اذهبي إليه، فادعيه لنجزيه أجر ما سقى لنا (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) حتى وصلت إلى موسى (قالت إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) فقام موسى معها، وأرادت الفتاة أن تتقدّم على موسى في المشي لتدلّه على الطريق لكن موسى أبى، وقال: بل كوني من ورائي، وأرشديني إلى الطريق بدلالة.
حتى وصل إلى دار شعيب فدخل الدار، ورحّب به شعيب، واستفسره عن قصته (فلمّا جاءه وقصّ عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين).
اتمنى ان انال رضاكم واعجابكم واسائلكم الدعاء
العبد الفقير الى الله
حامد عباس رضوان






إذا أعجبك الموضوع فشارك به أصدقااءك وصديقاتك في الفايسبوك
Share


 

توقيع حامد عباس رضوان

منتدياات حد الغربية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

قصص الأنبياء Vide
حامد عباس رضوان
عضو ماسي
عضو ماسي
حامد عباس رضوان
ذكر

عدد المساهماات عدد المساهماات :
194

العمر العمر :
64

النقاط النقاط :
270

التّقييم التّقييم :
3

الإنتساب الإنتساب :
23/10/2008

. :
قصص الأنبياء Empty

 

 


مُساهمةموضوع: قصة سيدنا ابراهيم عليه السلام   قصص الأنبياء Emptyالسبت 27 فبراير 2010, 10:20

[center]إبراهيم علية السلام



قد أثبت الله نبوته ورسالته في مواطن عديدة من الكتاب العزيز، وشهد له بأنه كان أمة قانتاً لله حنيفاً. قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ} [النحل: 120 - 122].



نسب إبراهيم:


ذكر المؤرخون نسبه واصلاً إلى سام بن نوح عليه السلام، ونوح - في سلسلة نسب إبراهيم- هو الأب الثاني عشر. وقد أسقط بعض النسابين من آبائه في سلسلة النسب (قينان)، بسبب أنه كان ساحراً.


فهو على ما يذكرون: إبراهيم "أبرام" (عليه السلام) بن تارح "وهو آزر كما ورد في القرآن الكريم" بن ناحور بن ساروغ "سروج" بن رعو بن فالغ "فالج" بن عابر بن شالح بن قينان - الذي يسقطونه من النسب لأنه كان ساحراً - بن أرفكشاذ "أرفخشذ" بن سام بن نوح (عليه السلام). والله أعلم.




حياة إبراهيم عليه السلام في فقرات:


-1 موجز حياته عند أهل التاريخ:


ذكر المؤرخون: أنه ولد بالأهواز، وقيل: ببابل - وهي مدينة في العراق -.


ويذكر أهل التوراة أنه كان من أهل "فدّان آرام" بالعراق.


وكان أبوه نجاراً، يصنع الأصنام ويبيعها لمن يعبدها.


وبعد نضاله في الدعوة إلى التوحيد ونبذ الأصنام، وما كان من أمره مع نمروذ بن لوش ملك العراق، وإلقائه في النار، ونجاته منها بالمعجزة - كما قص الله علينا في كتابه المجيد -، انتقل إلى أور الكلدانيين - وهي مدينة كانت قرب الشاطئ الغربي للفرات - ومعه في رحلته زوجته سارة وقد آمنت معه، وابن أخيه لوط بن هاران بن آزر وقد آمن معه وهاجر معه، كما قال تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت 29].




كما هاجر معه في الرحلة ثُلة من قومه الذين آمنوا معه، وأبوه آزر دون أن يؤمن به، وأقام في أور الكلدانيين حقبةً من الزمن.


ثم رحل إلى حاران أو "حرَّان".


ثم رحل إلى أرض الكنعانيين - وهي أرض فلسطين -، وأقام في "شكيم" وهي مدينة "نابلس".


ثم رحل إلى مصر، وكان ذلك في عهد ملوك الرعاة، وهم العماليق - ويسميهم الرومان: "هكسوس" -، واسم فرعون مصر حينئذٍ: "سنان بن علوان"، وقيل "طوليس".


وقد وهب فرعون هذا سارة زوجة إبراهيم - بعد أن عصمها الله منه - جاريةٌ من جواريه اسمها: "هاجر"، فوهبتها لزوجها فاستولدها.


ولما وُلِدَ له من هاجر "إسماعيل" - وكان عمره (86) سنة - سافر بأمر من الله إلى وادي مكة، وترك عند بيت الله الحرام ولده الصغير إسماعيل مع أمه هاجر، وعاد إلى أرض الكنعانيين.


ثم وهبه الله ولداً من زوجته سارة سماه "إسحاق"، وذلك حين صار عمره (100) سنة.


وكان يتعهد ولده إسماعيل في وادي مكة من آن إلى آخر، وبنى مع ولده إسماعيل البيت الحرام بأمر من الله. قال الله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127].




وقد جاء في الإِصحاح الخامس والعشرين من "سفر التكوين": أن إبراهيم تزوج بعد وفاة سارة زوجة اسمها "قطورة"، فولدت له ستة أولاد هم: زمران ويقشان ومدان ويشباق وشوحا ومديان.


وإلى مديان - هو مدين - بن إبراهيم هذا ينسب "أهل مدين" الذي أرسل إليهم "شعيب عليه السلام".


ولما بلغ عمر إبراهيم عليه السلام (175) سنة ختم الله حياته في أرض فلسطين، ودفن في مدينة الخليل "حبرون وكان اسمها في الأصل قرية أربع"، في المغارة المقام عليها الآن مقام الخليل عليه السلام، وتعرف بمغارة الأنبياء.


واختتن وهو ابن ثمانين سنة، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اختتن إبراهيم النبي وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم". رواه البخاري ومسلم.




-2 لمحات من قصة إبراهيم عليه السلام في القرآن:


وقد بسط القرآن الكريم مشاهد بارزة مهمة من حياة سيدنا إبراهيم عليه السلام في عدة سور، وأبرز ما فيها النقاط التالية:


-1 بدأ حياته عليه السلام باحتقار الأصنام، وبيان سخف عبادتها، ثم ثورته عليها وتحطيمها، غير مكترث بما ينجم عن عمله هذا، وتنبيه عابديها على خطئهم البالغ في عبادتها وتعظيمها، ونشأته على ما بقي محفوظاً من ملّة نوح عليه السلام.


-2 تأمّلاته في ملكوت السماوات والأرض، وبحثه الذي دلّه على جلال الرب وكمال صفاته وتنزه ذاته عن كل صفة من صفات الحدوث وعوارض النقص.


-3 توجُّهه إلى الله فاطر السماوات والأرض، وتبرؤه مما يشرك المشركون.


-4 بلوغه منزلة النبوة والرسالة باصطفاء الله له، واضطلاعه بمهامها، وإنزال الصحف عليه المسماة "بصحف إبراهيم".


-5 محاجّته لقومه بالبراهين والأدلة المنطقية المقنعة والملزمة، وثباته في محاجّةِ من آتاه الله الملك في البلاد، وارتقاؤه إلى أعلى مراتب الإِيمان بأن الله هو الذي يميت ويحيي، ويطعم ويسقي، ويمرض ويشفي، وبيده كل شيء.


-6 تعرضه للعذاب من قبل قومه، وذلك بإيقاد النار له في بنيان أعدوه لهذا الغاية، وإلقاؤه فيها، وصبره وثباته وثقته بالله، ثم سلامته من حرّها وضُرّها، إذ قال الله لها: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] !!


-7 عزمه على الهجرة من أرض الشرك، وإيمان لوط به ومهاجرته معه.


-8 إثبات أن الله أنزل عليه صحفاً تسمى "صحف إبراهيم".


-9 زيارته مكة، وإسكانه في واديها بعض ذريته وهو "إسماعيل". ورفع قواعد بيت الله الحرام فيها بعد سنوات من الإسكان مع ولده إسماعيل عليهما السلام. وعهدُ اللهِ له ولولده إسماعيل أن يطهرا البيت للطائفين والعاكفين والركّع السُّجود، وأمر الله له أن يؤذِّن في الناس بالحج. ومشاهد رائعة من مواقف التجاءاته إلى الله، ومناجاته له بالعبادة والدعاء.


-10 طلبه من الله أن يريه كيف يحيي الموتى، وذلك ليطمئن قلبه، ويزداد يقينه بالحياة بعد الموت، إذا رأى بالمشاهدة الحسية كيفية حدوث ذلك.


-11 أن الله وهبه - على كبر سنه - إسماعيل وإسحاق، وخرق العادة له بإكرامه بإسحاق من امرأته العجوز العاقر "سارة".


-12 مجادلته الملائكة المرسلين لإِهلاك قوم لوط، لعل الله أن يدرأ عنهم العذاب الماحق، وذلك طمعاً بأن يهتدوا ويستقيموا، إلاَّ أن جواب الرب ناداه: {إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود: 11].


-13 إكرام الله له بأن جعل في ذريته النبوة والكتاب من بعده، وقد كان واقع الأمر كما وعده الله، فجميع الأنبياء والرسل من بعده كانوا من ذريته. أما لوط عليه السلام فإنه كان معاصراً له، على أن إبراهيم كان عمه فيمكن دخوله في عموم الذرية.


قال أبو هريرة: (تلك أمكم يا بني ماء السماء).


مَهْيَمْ: كلمة استفهام، بمعنى: ما حالك، ما شأنك؟


قصة إبراهيم خليل الرحمن
يروى أن ابراهيم عليه السلام ولد ببابل و تزوج سارة و كانت عاقراً لا تلد ثم ارتحل هو و وزجته سارة و ابن أخيه لوط قاصدين أرض الكنعانيين، وهي بلاد بيت المقدس، فأقاموا بحران وكانوا يعبدون الكواكب السبعة.
والذين عمروا مدينة دمشق كانوا على هذا الدين، يستقبلون القطب الشمالي، ويعبدون الكواكب ولهذا كان على كل باب من أبواب دمشق السبعة القديمة هيكل بكوكب منها، ويعملون لها أعياداً وقرابين.
وهكذا كان أهل حران يعبدون الكواكب والأصنام، وكل من كان على وجه الأرض كانوا كفاراً، سوى إبراهيم الخليل، وامرأته، وابن أخيه لوط عليهم السلام، وكان الخليل عليه السلام هو الذي أزال الله به تلك الشرور، وأبطل به ذاك الضلال، فإن الله سبحانه وتعالى أتاه رشده في صغره، وابتعثه رسولاً، واتخذه خليلاً في كبره قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} أي كان أهلاً لذلك.

وكان أول دعوته لأبيه، وكان أبوه ممن يعبد الأصنام، لأنه أحق الناس بإخلاص النصيحة له، كما قال تعالى:

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً }.
فذكر تعالى ما كان بينه وبين أبيه من المحاورة والمجادلة، وكيف دعا أباه إلى الحق بألطف عبارة، و بيَّن له بطلان ما هو عليه من عبادة الأوثان التي لا تسمع دعاء عابدها، ولا تبصر مكانه، فكيف تغني عنه شيئاً، أو تفعل به خيراً من رزق أو نصر؟
ثم قال منبهاً على ما أعطاه الله من الهدى، والعلم النافع، وإن كان أصغر سناً من أبيه: {يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً} أي: مستقيماً، واضحاً، سهلاً، حنيفاً، يفضي بك إلى الخير في دنياك وأخراك، فلما عرض هذا الرشد عليه، وأهدى هذه النصيحة إليه، لم يقبلها منه ولا أخذها عنه، بل تهدده وتوعده.

{قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ}
{وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً} أي: واقطعني وأطل هجراني.
فعندها قال له إبراهيم: {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً} أي: لا يصلك مني مكروه، ولا ينالك مني أذىً، بل أنت سالم من ناحيتي، وزاده خيراً بأنى سأستغفر لك ربى الذى هداني لعبادته والإخلاص له.
ولهذا قال:{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً}

وقد استغفر له إبراهيم عليه السلام كما وعده في أدعيته، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}.

ثم قال تعالى:
{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }.
وهذه مناظرة لقومه، وبيان لهم أن هذه الأجرام المشاهدة من الكواكب النيرة لا تصلح للألوهية، ولا أن تعبد مع الله عز وجل لأنها مخلوقة مربوبة، مصنوعة مدبرة، مسخرة، تطلع تارة، وتأفل أخرى، فتغيب عن هذا العالم، والرب تعالى لا يغيب عنه شيء، ولا تخفى عليه خافية، بل هو الدائم الباقي بلا زوال، لا إله إلا هو، ولا رب سواه فبين لهم أولاً عدم صلاحية الكواكب.، ثم ترقى منها إلى القمر الذي هو أضوأ منها وأبهى من حسنها، ثم ترقى إلى الشمس التي هي أشد الأجرام المشاهدة ضياءً وسناءً وبهاءً، فبين أنها مسخرة، مسيرة مقدرة مربوبة.
والظاهر أن موعظته هذه في الكواكب لأهل حران، فإنهم كان يعبدونهاوأما أهل بابل فكانوا يعبدون الأصنام، وهم الذين ناظرهم في عبادتها وكسرها عليهم، وأهانها وبين بطلانها، كما قال تعالى: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}
وقال في سورة الأنبياء: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ }

يخبر الله تعالى عن إبراهيم خليله عليه السلام، أنه أنكر على قومه عبادة الأوثان، وحقرها عندهم وصغرها وتنقصها، فقال: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} أي: معتكفون عندها وخاضعون لها.

{قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ}
ما كان حجتهم إلا صنيع الآباء والأجداد، وما كانوا عليه من عبادة الأنداد.
وقال لهم: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} سلموا له أنها لا تسمع داعياً، ولا تنفع ولا تضر شيئاً، وإنما الحامل لهم على عبادتها الاقتداء بأسلافهم، ومن هو مثلهم في الضلال من الآباء الجهال.


{قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}
بل إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو ربكم ورب كل شيء، فاطر السماوات والأرض، الخالق لهما على غير مثال سبق، فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وأنا على ذلكم من الشاهدين.


ابراهيم عليه السلام يلقى فى النار
وقوله:{وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ}أقسم ليكيدن هذه الأصنام التي يعبدونها، بعد أن تولوا مدبرين إلى عيدهم.
قيل: إنه قال هذا خفية في نفسه، وقال ابن مسعود: سمعه بعضهم. وكان لهم عيد يذهبون إليه في كل عام مرة إلى ظاهر البلد، فدعاه أبوه ليحضره فقال: إني سقيم.


كما قال تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ}
فلما خرجوا إلى عيدهم واستقر هو في بلدهم، راغ إلى آلهتهم، أي: ذهب إليها مسرعاً مستخفياً، فوجدها في بهو عظيم، وقد وضعوا بين أيديها أنواعاً من الأطعمة قرباناً إليها.
فقال لها على سبيل التهكم والازدراء: {أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ} فكسرها بقدوم في يده كما قال تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً} أي: حطاماً، كسرها كلها.
{إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} قيل: إنه وضع القدوم في يد الكبير، إشارة إلى أنه غار أن تعبد معه هذه الصغار. فلما رجعوا من عيدهم ووجدوا ما حل بمعبودهم {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ}.
وهذا فيه دليل ظاهر لهم لو كانوا يعقلون، وهو ما حل بآلهتهم التي كانوا يعبدونها، فلو كانت آلهة لدفعت عن أنفسها من أرادها بسوء، لكنهم قالوا من جهلهم، وقلة عقلهم، وكثرة ضلالهم وخبالهم: {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} أي: يذكرها بالعيب والتنقص لها والإزدارء بها، فهو المقيم عليها والكاسر لها.
{قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} أي: في الملأ الأكبر على رؤوس الأشهاد، لعلهم يشهدون مقالته ويسمعون كلامه، ويعاينون ما يحل به من الاقتصاص منه.
وكان هذا أكبر مقاصد الخليل عليه السلام أن يجتمع الناس كلهم فيقيم على جميع عبّاد الأصنام الحجة على بطلان ما هم عليه
فلما اجتمعوا وجاؤوا به كما ذكروا، {قَالُوا أأنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا..} قيل معناه: هو الحامل لي على تكسيرها، وإنما عرض لهم في القول: {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ}
وإنما أراد بقوله هذا، أن يبادروا إلى القول بأن هذه لا تنطق، فيعترفوا بأنها جماد كسائر الجمادات.
{فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} أي: فعادوا على أنفسهم بالملامة فقالوا: إنكم أنتم الظالمون، أي: في تركها لا حافظ لها، ولا حارس عندها.
وقال قتادة: أدركت القوم حيرة سوء، أي: فأطرقوا ثم قالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} أي: لقد علمت يا إبراهيم أن هذه لا تنطق، فكيف تأمرنا بسؤالها؟ فعند ذلك قال لهم الخليل عليه السلام: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}


{قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ}
عدلوا عن الجدال والمناظرة لما انقطعوا وغلبوا، ولم تبقَ لهم حجة ولا شبهة إلى استعمال قوتهم وسلطانهم، لينصروا ما هم عليه من سفههم وطغيانهم، فكادهم الرب جل جلاله وأعلى كلمته، ودينه وبرهانه كما قال تعالى:

{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}.
وذلك أنهم شرعوا يجمعون حطباً من جميع ما يمكنهم من الأماكن، فمكثوا مدة يجمعون له، حتى أن المرأة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن حطباً لحريق إبراهيم، ثم عمدوا إلى جوبة عظيمة فوضعوا فيها ذلك الحطب، وأطلقوا فيه النار، فاضطربت وتأججت والتهبت وعلاها شرر لم ير مثله قط.
ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في كفة منجنيق صنعه لهم رجل من الأكراد يقال له هزن، وكان أول من صنع المجانيق فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، ثم أخذوا يقيدونه ويكتفونه وهو يقول: لا إله إلا أنت سبحانك، لك الحمد ولك الملك، لا شريك لك، فلما وضع الخليل عليه السلام في كفة المنجنيق مقيداً مكتوفاً، ثم ألقوه منه إلى النار قال: حسبنا الله ونعم الوكيل.
ابن عباس أنه قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم حين ألقي في النار. وقالها محمد حين قيل له: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}
عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم:
((لما ألقي إبراهيم في النار قال: اللهم إنك في السماء واحد، وأنا في الأرض واحد أعبدك)).
وذكر بعض السلف أن جبريل عرض له في الهواء فقال: ألك حاجة؟
فقال: أما إليك فلا.
ويروى عن ابن عباس، أنه قال: جعل ملك المطر يقول: متى أومر فأرسل المطر؟ فكان أمر الله أسرع. {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ}
قال ابن عباس وأبو العالية: لولا أن الله قال: {وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} لأذى إبراهيم بردها.
وقال كعب الأحبار: لم ينتفع أهل الأرض يومئذ بنار، ولم يحرق منه سوى وثاقه.
وقال الضحاك: يروى أن جبريل عليه السلام كان معه يمسح العرق عن وجهه، لم يصبه منها شيء غيره.
وقال السدي: كان معه أيضاً ملك الظل، وصار إبراهيم عليه السلام في ميل الجوبة حوله النار، وهو في روضة خضراء، والناس ينظرون إليه لا يقدرون على الوصول إليه، ولا هو يخرج إليهم، فعن أبي هريرة أنه قال: أحسن كلمة قالها أبو إبراهيم إذ قال لما رأى ولده على تلك الحال: نعم الرب ربك يا إبراهيم.

وعن المنهال بن عمرو أنه قال: أخبرت أن إبراهيم مكث هناك إما أربعين وإما خمسين يوماً، وأنه قال: ما كنت أياماً وليالي أطيب عيشاً إذ كنت فيها، ووددت أن عيشي وحياتي كلها مثل إذ كنت فيها، صلوات الله وسلامه عليه.


مناظرة إبراهيم الخليل مع النمرود

هذه هى مناظرة إبراهيم الخليل مع من أراد أن ينازع العظيم الجليل في العظمة ورداء الكبرياء فادعى الربوبية، وهوَ أحدُ العبيد الضعفاء

قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
يذكر تعالى مناظرة خليله مع هذا الملك الجبار المتمرد الذي ادعى لنفسه الربوبية، فأبطل الخليل عليه دليله، وبين كثرة جهله، وقلة عقله، وألجمه الحجة، وأوضح له طريق المحجة.
قال المفسرون وغيرهم من علماء النسب والأخبار، وهذا الملك هو ملك بابل، واسمه النمرود بن كنعان وذكروا أن نمرود هذا استمر في ملكه أربعمائة سنة، وكان طغى وبغى، وتجبر وعتا، وآثر الحياة الدنيا.
ولما دعاه إبراهيم الخليل إلى عبادة الله وحده لا شريك له حمله الجهل والضلال على إنكار وجود الله تعالى، فحاجّ إبراهيم الخليل في ذلك وادعى لنفسه الربوبية.
فلما قال الخليل: (ربي الذي يحي ويميت قال: أنا أحي وأميت).
يعني أنه إذا آتى بالرجلين قد تحتم قتلهما، فإذا أمر بقتل أحدهما، وعفا عن الآخر، فكأنه قد أحيا هذا وأمات الآخر.

قَال: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ} أي هذه الشمس مسخرة كل يوم تطلع من المشرق كما سخرها خالقها ومسيرها وقاهرها. وهو الذي لا إله إلا هو خالق كل شيء. فإن كنت كما زعمت من أنك الذي تحي وتميت فأت بهذه الشمس من المغرب فإنّ الذي يحي ويميت هو الذي يفعل ما يشاء ولا يمانع ولا يغالب بل قد قهر كل شيء، ودان له كل شيء، فإن كنت كما تزعم فافعل هذا، فإن لم تفعله فلست كما زعمت، وأنت تعلم وكل أحد، أنك لا تقدر على شيء من هذا بل أنت أعجز وأقل من أن تخلق بعوضة أو تنتصر منها.
فبين ضلاله وجهله وكذبه فيما ادعاه، وبطلان ما سلكه وتبجح به عند جهلة قومه، ولم يبق له كلام يجيب الخليل به بل انقطع وسكت. ولهذا قال: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.

قال زيد بن أسلم: وبعث الله إلى ذلك الملك الجبّار ملكاً يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه. ثم دعاه الثانية فأبى عليه. ثم دعاه الثالثة فأبى عليه.
وقال: اجمع جموعك وأجمع جموعي.
فجمع النمرود جيشه وجنوده، وقت طلوع الشمس فأرسل الله عليه ذباباً بحيث لم يروا عين الشمس وسلّطها الله عليهم، فأكلت لحومهم ودمائهم وتركتهم عظاماً باديةً، ودخلت واحدةٌ منها في منْخَر الملكِ فمكثت في منخره أربعمائة سنة، عذبه الله تعالى بها فكان يُضْرَبُ رأسُه بالمرِازب في هذه المدة كلها حتى أهلكه الله عز وجل بها.‏

هجرة الخليل عليه السلام إلى بلاد الشام، ودخوله مصر

قال الله: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ}.

لما هجر قومه في الله وهاجر من بين أظهرهم وكانت امرأته عاقراً لا يولد لها، ولم يكن له من الولد أحد بل معه ابن أخيه لوط ، وهبه الله تعالى بعد ذلك الأولاد الصالحين، وجعل في ذريته النبوة والكتاب، فكل نبي بعث بعده فهو من ذريته، وكل كتاب نزل من السماء على نبي من الأنبياء من بعده فعلى أحد نسله وعقبه، كرامة له من الله، حين ترك بلاده وأهله وأقرباءه، وهاجر إلى بلد يتمكن فيها من عبادة ربه عز وجل، ودعوة الخلق إليه.
والأرض التي قصدها بالهجرة أرض الشام، وهي التي قال الله عز وجل: {إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}.


قصّة سارة مع الملك.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات كل ذلك في ذات الله قوله {إِنِّي سَقِيمٌ} وقوله {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة، إذ نزل منزلاً فأتى الجبار فقيل له: إنه قد نزل هاهنا رجل معه امرأة من أحسن الناس. فأرسل إليه فسأله عنها فقال إنها أختي، فلما رجع إليها قال إنَّ هذا سألني عنك؟ فقلت إنك أختي وإنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك وأنك أختي فلا تكذبيني عنده.
فانطلق بها، فلما ذهب يتناولها أخذ فقال: "ادعى الله لي ولا أضرك، فدعت له فأرسل، فذهب يتناولها فأخذ مثلها أو أشد منها.
فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت فأرسل ثلاث مرات
فدعا أدنى حشمه فقال: إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر.
فجاءت وإبراهيم قائم يصلي فلما أحس بها انصرف فقال: مَهْيَمْ،
فقالت: كفى الله كيد الظالم وأخدمني هاجر".

وقال الإمام أحمد: فى رواية أخرى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات قوله حين دعي إلى آلهتهم فقال {إِنِّي سَقِيمٌ} وقوله {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} وقوله لسارة "إنها أختي".
دخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك، أو جبار من الجبابرة، فقيل: دخل إبراهيم الليلة بامرأة من أحسن الناس
قال: فأرسل إليه الملك أو الجبار من هذه معك؟
قال: أختي
قال: فأرسل بها
فأرسل بها إليه، وقال لا تكذبي قولي فإني قد أخبرته أنكِ أختي إنْ ما على الأرض مؤمن غيري وغيرك.
فلما دخلت عليه قام إليها فأقبلت تتوضَّأ وتصلَّي، وتقول اللهم إن كنت تعلم إني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلاّ على زوجي فلا تسلط عليَّ الكافر،
قال: فغطَّ حتى رَكَضَ برجله.
عن أبي هريرة "إنها قالت: اللهم أن يمت يقال هي قتلته، قال: فأرسل.
قال: ثم قام إليها،
قال: فقامت تتوضأ وتصلّي وتقول: اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر.
قال فغطَّ حتى ركضَ برجله،
عن أبي هريرة: إنها قالت اللهم أن يمت يقل هي قتلته، قال: فأرسل.
قال: فقال في الثالثة أو الرابعة: ما أرسلتم إليّ إلا شيطاناً أرجعوها إلى إبراهيم، وأعطوها هاجر.
قال: فرجعت فقالت لإبراهيم: أشعرت أن الله رد كيد الكافرين وأخْدَمَ وليدة

وقوله في الحديث "هي أختي"، أي في دين الله،
وقوله لها: إنه ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك يعني زوجين مؤمنين غيري وغيرك
وقوله لها لما رجعت إليه: مَهْيَمْ؟ معناه ما الخبر؟ فقالت: إن الله رد كيد الكافرين. وفي رواية الفاجر. وهو الملك، وأخدم جارية.
وكان إبراهيم عليه السلام من وقت ذهب بها إلى الملك قام يصلي لله عز وجل ويسأله أن يدفع عن أهله، وأن يرد بأس هذا الذي أراد أهله بسوء، وهكذا فعلت هي أيضاً، فلما أراد عدو الله، أن ينالَ منها أمراً قامت إلى وضوئها وصلاتها، ودعت الله عز وجل بما تقدم من الدعاء العظيم، ولهذا قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} فعصمها الله وصانها لعصمة عبده ورسوله وحبيبه وخليله إبراهيم عليه السلام.

ثم إن الخليل عليه السلام رجع من بلاد مصر إلى أرض التيمن، وهي الأرض المقدسة التي كان فيها، ومعه أنعام وعبيد ومال جزيل، وصحبتهم هاجر المصرية.
ثم إن لوطاً عليه السلام نزح بماله من الأموال الجزيلة بأمر الخليل له في ذلك إلى أرض الغور، المعروف بغور زغر فنزل بمدينة سدوم، وهي أم تلك البلاد في ذلك الزمان، وكان أهلها أشراراً كفاراً فجاراً.


مولد إسماعيل عليه السلام مِنْ هاجر

قال أهل الكتاب: إن إبراهيم عليه السلام سأل الله ذرية طيبة، وان الله بشَّره بذلك، وأنه لما كان لإبراهيم ببلاد المقدس عشرون سنة، قالت سارة لإبراهيم عليه السلام، إن الرب قد حرمني الولد، فادخل على أمتي هذه، لعل الله يرزقني منها ولداً.
فلما وهبتها له دخل بها إبراهيم عليه السلام، فحين دخل بها حملت منه، قالوا: فلما حملت ارتفعت نفسها، وتعاظمت على سيدتها، فغارت منها سارة
قالوا: وولدت هاجر اسماعيل ولإبراهيم من العمر ست وثمانون سنة، قبل مولد إسحاق بثلاث عشرة سنة.

غير أن هاجر عليها السلام لما ولد لها إسماعيل واشتدت غيرة سارة منها، طلبت من الخليل أن يغيب وجهها عنها، فذهب بها وبولدها فسارَ بهما حتى وضعهما حيث مكة اليوم.


مهاجرة إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه هاجر إلى أرض مكّة

عن ابن عباس قال: "أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقاً لتعفى أثرها على سارة".
ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جراباً فيه تمر، وسقاء فيه ماء.

ثم قفّى إبراهيم منطلقاً، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً؛ وجعل لا يلتفت إليها،
فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذا لا يضيعنا. ثم رجعت.

فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات، ورفع يديه فقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}.
وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى،أو يتلبط، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً ..
فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت بطن الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحداً؟ فلم تر أحداً ففعلت ذلك سبع مرات.
قال النبي صلى الله عليه وسلم "فلذلك سعى الناس بينهما".
فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت: صه، تريد نفسها.

ثم تسمعت فسمعت أيضاً، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه، أو قال بجناحه، حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضُه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف.

قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم "يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم". أو قال: "لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عيناً مَعِيْناً".
فشربت وأرضعت ولدها. فقال لها الملك: لا تخافي الضيعة، فإن هاهنا بيتاً لله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله.

وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم، أو أهل بيت من جرهم، مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائراً عائفاً، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على الماء،لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريا أو جرييّن فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا.

قال: وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم ولكن لا حقَّ لكم في الماء عندنا. قالوا: نعم.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فألفى ذلك أمَّ إسماعيل وهي تحب الأنس، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم.
وشبَّ الغلام وتعلّم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب، فلما أدرك، زوّجوه امرأة منهم.
وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل، يطالع تركته فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه؟
فقالت: خرج يبتغي لنا.
ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم؟
فقالت: نحن بشرٍّ نحن في ضيق وشدّةٍ وشكت إليه.
قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغيّر عتبة بابه.
فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئاً، فقال: هل جاءكم من أحد؟
فقالت: نعم جاءنا شيخ كذا كذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة.
قال: فهل أوصاك بشيء؟
قالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول لك غيّر عتبة بابك.
قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك، وطلقها وتزوَّج منهم أخرى، ولبث عنهم إبراهيم ما شاء الله. ثم أتاهم بعد فلم يجده،
فدخل على امرأته فسألها عنه؟
فقالت: خرج يبتغي لنا،
قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم،
فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله عز وجل،
فقال: ما طعامكم؟
قالت: اللحم
قال: فما شرابكم؟
قالت: الماء.
قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولم يكن لهم يومئذ حب. ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه" قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه.
قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومُريه يثبت عتبة بابه.
فلما جاء إسماعيل قال هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا بخير.
قال: فأوصاك بشيء؟
قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك.
قال: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك.
ثم ما لبث عنهم ما شاء الله. ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نَبْلاً له تحت دوحةٍ قريباً من زمزم، فلما رآه قام إليه فصنعا، كما يصنع الوالد بالولد، والولد بالوالد. ثم قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر،
قال: فاصنع ما أمرك به ربك،
قال: وتعينني؟
قال: وأعينك.
قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها.
قال فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
قال: فجعلا يبنيان، حتى يدورا حول البيت، وهما يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.



قصة الذبيح

قال الله تعالى: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِي، رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ، فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يا أبتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ، سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ، وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِين، وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}.

يذكر تعالى عن خليله إبراهيم أنه لما هاجر من بلاد قومه سأل ربه أن يهب له ولداً صالحاً، فبشّره الله تعالى بغلام حليم وهو إسماعيل عليه السلام، لأنه أول من ولد له على رأس ستٍ وثمانين سنة من عمر الخليل. وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل الملل، لأنه أول ولده وبكره.

وقوله {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} أي شبَّ وصار يسعى في مصالحه كأبيه. قال مجاهد: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} أي شبَّ وارتحل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل.
فلما كان هذا رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده.و "رؤيا الأنبياء وحيٌ".
وهذا اختبار من الله عز وجل لخليلهِ في أن يذبح هذا الابن العزيز الذي جاءه على كبر، وقد طعن في السن بعد ما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر، وواد ليس به حسيس ولا أنيس، ولا زرع ولا ضرع، فامتثل أمر الله في ذلك وتركها هناك، ثقة بالله وتوكلاً عليه، فجعل الله لهما فرجاً ومخرجاً، ورزقهما من حيث لا يحتسبان.
ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده هذا الذي قد أفرده عن أمر ربه، وهو بكره ووحيده، الذي ليس له غيره، أجاب ربَّه وامتثل أمره وسارع إلى طاعته.
ثم عرض ذلكَ على ولده ليكونَ أطيب لقلبهِ وأهون عليه، من أن يأخذه قَسْراً ويذبحه قهراً {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}.

فبادر الغلام الحليم، سر والده الخليل إبراهيم، فقال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ}. وهذا الجواب في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد.
قال الله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} قيل: أسلما، أي استسلما لأمر الله وعزما على ذلك و قيل: أراد أن يذبحه من قفاه، لئلا يشاهده في حال ذبحه، أو أضجعه كما تضجع الذبائح، وبقي طرف جبينه لاصقاً بالأرض.
(وأسلما) أي سمى إبراهيم وكبر، وتشّهد الولد للموت. فعندما أمَرَّ السّكين على حلْقِهِ لم تقطع شيئاً والله أعلم.
فعند ذلك نودي من الله عز وجل: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}. أي قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك ومبادرتك إلى أمر ربك. ولهذا قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ}. أي الاختبار الظاهر البين.

وقوله: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم}. أي وجعلنا فداء ذبح ولده ما يَسَّرَهُ الله تعالى له من العوض عنه.
والمشهور عن الجمهور أنه كبش أبيض أعين أقرن. قال الثوري عن ابن عباس قال: كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفاً
قال سفيان: لم يزل قرنا الكبش في البيت حتى احترق البيت فاحترقا.
وكذا روى عن ابن عباس : أن رأس الكبش لم يزل معلقاً عند ميزاب الكعبة قد يبس.


ذكر مولد إسحاق عليه السلام

قال الله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ، وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}.
وقد كانت البشارة به من الملائكة لإبراهيم وسارة، لما مروا بهما مجتازين ذاهبين إلى مدائن قوم لوط، ليدمروا عليهم، لكفرهم وفجورهم كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ، فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ، وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ، قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}.
يذكر تعالى: أن الملائكة قالوا، وكانوا ثلاثة جبريل وميكائيل واسرافيل، لما وردوا على الخليل، حسبهم أولاً أضيافاً، فعاملهم معاملة الضيوف، وشَوَى لهم عجلاً سميناً، من خيار بقره، فلما قرّبه إليهم وعرض عليهم، لم يَرَ لهم همّةً إلى الأكل بالكلية، وذلك لأن الملائكة ليس فيهم قوة الحاجة إلى الطعام (فنكرهم) إبراهيم وأوجس منهم خيفة {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ}أي لندمر عليهم.

فاستبشرت عند ذلك سارة غضباً لله عليهم، وكانت قائمة على رؤوس الأضياف، كما جرت به عادة الناس من العرب وغيرهم، فلما ضحكت استبشاراً بذلك قال الله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} أي بشرتها الملائكة بذلك {فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} أي في صرخة {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} أي كما يفعل النساء عند التعجب.

وقالت: {يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً} أي كيف يلد مثلي وأنا كبيرة وعقيم أيضاً، وهذا بعلي أي زوجي شيخاً؟ تعجبت من وجود ولد، والحالة هذه، ولهذا قالت: {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ، قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}.
وكذلك تعجَّب إبراهيم عليه السلام استبشاراً بهذه البشارة وتثبيتاً لها وفرحاً بها: {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ، قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنْ الْقَانِطِينَ}
أكدوا الخبر بهذه البشارة وقرروه معه فبشروهما {بِغُلامٍ عَلِيمٍ}. وهو إسحاق أخو إسماعيل غلام عليم، مناسب لمقامه وصبره، وهكذا وصفه ربه بصدق الوعد والصبر. وقال في الآية الأخرى {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}.

فقوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} دليل على أنها تستمتع بوجود ولدها إسحاق، ثم من بعده بولده يعقوب.
وهذا إن شاء الله ظاهر قوي ويؤيده ما ثبت في الصحيحين. في حديث سليمان بن مهران الأعمش، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة. قلت: ثم أي؟ قال: ثم حيث أدركت الصلاة فصلِّ فكلها مسجد".


ذكر بناية البيت العتيق

قال الله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}.
وقال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِين، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ}.
يذكرُ تعالى عن عبده ورسوله وصفيه وخليله إمام الحنفاء، ووالد الأنبياء إبراهيم عليه السلام أنه بنى البيت العتيق، الذي هو أول مسجد وضع لعموم الناس، يعبدون الله فيه وبوّأه الله مكانه، أي أرشده إليه ودلّه عليه.
وقد روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وغيره أنه أرشد إليه بوحي من الله عز وجل. وقد قدمنا في صفة خلق السماوات، أن الكعبة بحيال البيت المعمور، بحيث أنه لو سقط لسقط عليها، وكذلك معابد السماوات السبع، كما قال بعض السلف: إن في كل سماء بيتاً يعبد الله فيه أهل كل سماء، وهو فيها ككعبة لأهل الأرض.
فأمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام، أن يبني له بيتاً يكون لأهل الأرض، كتلك المعابد لملائكة السماوات، وأرشده الله إلى مكان البيت المهيأ له، المعين لذلك منذ خلق السماوات والأرض، كما ثبت في الصحيحين: "أن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة".
ولم يجئ في خبر صحيح، عن معصوم، أن البيت كان مبنيّاً قبل الخليل عليه السلام
وقد قال الله: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}. أي أول بيت وضع لعموم الناس للبركة والهدى البيت الذي ببكة. وقيل محل الكعبة {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} أي على أنه بناء الخليل والد الأنبياء ممن بعده، وإمام الحنفاء من ولده، الذين يقتدون به ويتمسكون بسنته، ولهذا قال: {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} أي الحِجْر الذي كان يقف عليه قائماً لما ارتفع البناء عن قامته، فوضع له ولده هذا الحجر المشهور ليرتفع عليه لمّا تعالى البناء، وعظم الفناء
وقد كان هذا الحَجَرُ ملصقاً بحائط الكعبة على ما كان عليه من قديم الزمان إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخّره عن البيت قليلاً، لئلا يشغل المصلّين عنده الطائفين بالبيت، واتبع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا، فإنّه قد وافقه ربه في أشياء، منها قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فأنزل الله {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}. وقد كانت آثار قدميّ الخليل باقية في الصخرة إلى أول الإسلام حيث أن رجله الكريمة غاصت في الصخرة فصارت، على قدر قدمه حافية
قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ ال

إذا أعجبك الموضوع فشارك به أصدقااءك وصديقاتك في الفايسبوك
Share


 

توقيع حامد عباس رضوان

منتدياات حد الغربية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

قصص الأنبياء Vide
حامد عباس رضوان
عضو ماسي
عضو ماسي
حامد عباس رضوان
ذكر

عدد المساهماات عدد المساهماات :
194

العمر العمر :
64

النقاط النقاط :
270

التّقييم التّقييم :
3

الإنتساب الإنتساب :
23/10/2008

. :
قصص الأنبياء Empty

 

 


مُساهمةموضوع: قصة سيدنا اسماعيل عليه السلام   قصص الأنبياء Emptyالسبت 27 فبراير 2010, 10:26


السلام عليكم
إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام


قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 54-55].
ويترجح لدينا أن الله أرسله إلى القبائل العربية التي عاش عليه السلام في وسطها، وقد ذكر المؤرخون أن الله أرسله إلى قبائل اليمن وإلى العماليق.



حياة إسماعيل عليه السلام في فقرات:

(أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياته عليه السلام ما يلي:

-1 لما بلغ إبراهيم عليه السلام من العمر (86) سنة ولدت له أمَته المصرية "هاجر" ابنه إسماعيل. وهذه الأَمَة هي التي كان فرعون مصر قد وهبها لسارة زوجة إبراهيم عليه السلام، فوهبتها سارة لإِبراهيم لعل الله أن يرزقه منها بولد، إذْ كانت هي حتى ذلك التاريخ عقيماً لم تلد، إلا أنها ولدت بعد ذلك بإسحاق، ببشارة الملائكة لإِبراهيم كما قدمنا عند الكلام على حياة سيدنا إبراهيم عليه السلام.

-2 أَمر الله إبراهيم عليه السلام أن يُسكِن ولده الصغير -إسماعيل- وأمه في وادي مكة، فسافر بهما إلى هذا الوادي، وأسكنهما فيه طاعة لله تعالى، وانصرف عنهما عائداً إلى الشام، واستودعهما عند الله تعالى يرعاهما برعايته، ويكلؤهما بحفظه.

-3 ولما نفد الماء الذي كان معهما، اشتد الظمأ بالصبي، سعت أمه بين الصفا والمروة باحثةً عن الماء، لعل الله يخلق لها من الشدة فرجاً، فأرسل الله الملك فبحث في مكان زمزم فتفجر الماء، ولما رأت ذلك أقبلت وسقت ولدها إسماعيل، وقد امتلأ قلبها سروراً وفرحاً!!

-4 أحست قبيلة "جُرْهُم" -وهي من القبائل العربية- بأن الوادي أصبح فيه ماء، فوفدت إليه وضربت فيه خيامها إلى جانب الماء، بعد أن استأذنت من هاجر أم الصبي.

-5 شب إسماعيل وتعلَّم اللغة العربية، وتزوج امرأة من "جرهم"، ثم طلقها بإشارة من أبيه، لأن إبراهيم عليه السلام اختبرها فوجدها شاكية متضجرة من شظف العيش وشدَّته، ثم تزوج بأخرى.

قالوا: وقد وُلد لإِسماعيل اثنا عشر ولداً ذكراً وكانوا رؤساء قبائل -ومن نسله جاء العرب الذين يعرفون بالعرب المستعربة- كما وُلدت له بنت زوَّجها من ابن أخيه عيسو "العيص" بن إسحاق.

-6 ثم أمر الله إبراهيم -في منامه- أن يذبح ولده إسماعيل ابتلاءً لهما، فعرض الأب الرحيم على ابنه التقي البار أمر الله، فقال إسماعيل: "يا أبت افعل ما تؤمر"، وباشر تنفيذ أمر الله، إلاّ أن الله تعالى فداه بذِبْحٍ عظيم جاء به الملك جبريل عليه السلام.

-7 وقد عمل إسماعيل مع أبيه إبراهيم في عمارة الكعبة المشرفة بيت الله الحرام، وقاما بأداء مناسكهما كما أمر الله تعالى.

-8 عاش إسماعيل عليه السلام (137) سنة، ومات بمكة ودفن عند قبر أمه هاجر بالحجر، وكانت وفاته بعد وفاة أبيه ب (48) سنة. والله أعلم.

(ب) وقد قص الله علينا في كتابه العزيز جوانب من حياة إسماعيل عليه السلام، أهمها النقاط التالية:

-1 إثبات نبوته ورسالته، وأن الله أوحى إليه وأنزل إليه طائفة من الشرائع الربانية.

-2 إثبات أخلاقه الكريمة التي منها: صدق الوعد والصبر، والثناء عليه بأنه من الأخيار، ومن صبره عليه السلام طاعته وامتثاله أمر الله بذبحه، الذي أمر به أباه إبراهيم عليه السلام.

-3 مشاركته لأبيه إبراهيم في رفع القواعد من البيت الحرام، وفي التجاءاته ومناجاته لله تعالى، وفي أن الله عهد لهما أن يطهرا البيت للطائفين والعاكفين والركَّع والسُّجود.

-4 وعد الله بأن يكون من ذريته أمة مسلمة وأن يبعث فيهم رسولاً منهم.



اتمنى ان انال رضاكم واعجابكم واسائلكم الدعاء
العبد الفقير الى الله
حامد عباس رضوان




إذا أعجبك الموضوع فشارك به أصدقااءك وصديقاتك في الفايسبوك
Share


 

توقيع حامد عباس رضوان

منتدياات حد الغربية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

قصص الأنبياء Vide
حامد عباس رضوان
عضو ماسي
عضو ماسي
حامد عباس رضوان
ذكر

عدد المساهماات عدد المساهماات :
194

العمر العمر :
64

النقاط النقاط :
270

التّقييم التّقييم :
3

الإنتساب الإنتساب :
23/10/2008

. :
قصص الأنبياء Empty

 

 


مُساهمةموضوع: قصة سيدنا إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام   قصص الأنبياء Emptyالسبت 27 فبراير 2010, 10:31

إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام



وقد ذكره الله في عداد مجموعة الرسل عليهم السلام، وقال تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ}.
{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنْ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ} [ص: 45-47].



ويترجح أنه كان رسولاً في أرض الكنعانيين "بلاد الشام في فلسطين"، في البيئة التي عاش فيها سيدنا إبراهيم.




حياة إسحاق عليه السلام في فقرات:


(أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياته عليه السلام ما يلي:


-1 لما بلغ إبراهيم عليه السلام من العمر (100) سنة ولدت له زوجته سارة المرأة العجوز العقيم إسحاق عليه السلام.


-2 أوصى إبراهيم أن لا يتزوج إسحاق إلا امرأة من أهل أبيه وقد كانوا مقيمين في أرض بابل "العراق". ونُفّذت وصية إبراهيم، فتزوج إسحاق عليه السلام "رفقة" بنت بتوئيل بن ناحور بن آزر، وناحور هذا هو أخو سيدنا إبراهيم عليه السلام، فتكون "رفقة" بنت ابن عمه.


(ب) وقد قص الله علينا في كتابه العزيز جوانب يسيرة من حياة إسحاق عليه السلام، تتلخص بالنقاط التالية:


-1 إثبات نبوته ورسالته، وأن الله أوحى إليه، وأنزل إليه طائفة من الشرائع.


-2 إثبات أنه عليم ونبي من الصالحين، وأن الله بارك عليه.


-3 إثبات أن الملائكة بشّرت إبراهيم بمولده من زوجته العجوز العقيم -وهي سارة-، فلما سمعت البشرى قالت: "يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب؟!".


-4 هو أبو إسرائيل الذي يرجع إليه نبل نسل بني إسرائيل.


اتمنى ان انال رضاكم واعجابكم واسائلكم الدعاء
العبد الفقير الى الله
حامد عباس رضوان




إذا أعجبك الموضوع فشارك به أصدقااءك وصديقاتك في الفايسبوك
Share


 

توقيع حامد عباس رضوان

منتدياات حد الغربية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

قصص الأنبياء Vide
حامد عباس رضوان
عضو ماسي
عضو ماسي
حامد عباس رضوان
ذكر

عدد المساهماات عدد المساهماات :
194

العمر العمر :
64

النقاط النقاط :
270

التّقييم التّقييم :
3

الإنتساب الإنتساب :
23/10/2008

. :
قصص الأنبياء Empty

 

 


مُساهمةموضوع: قصة سيدنا إلياس و اليسع عليهما السلام   قصص الأنبياء Emptyالسبت 27 فبراير 2010, 10:33

السلام عليكم
إلياس واليسع عليهما السلام

هما رسولان من رسل بني إسرائيل، وقد ذكرهما الله في عداد مجموعة الرسل عليهم السلام.
قال تعالى: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ * اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} [الصافات: 37].



وقال تعالى في شأن اليسع عليه السلام: {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 86].

نسب إلياس:

لم يتفق المؤرخون على نسب منضبط له، وقد ذكر الطبري له النسب التالي:

هو إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون.

فهو على هذا من ذرية هارون عليه السلام، وهكذا يذهب نسبه صاعداً إلى إبراهيم عليه السلام.

نسب اليسع:

جاء في تاريخ الطبري أنه: (اليسع بن أخطوب).

وجاء في تاريخ ابن خلدون أنه: (اليسع بن أخطوب من سبط أفرايم).

وقيل: هو ابن عم إلياس.

قال ابن عساكر: (اسمه أسباط بن عدي بن شوليم بن افرائيم). والله أعلم.

ومن المقطوع به: أن كلاً من إلياس واليسع من بني إسرائيل، ومن ذرية إبراهيم عليه السلام.

حياة إلياس واليسع عليهما السلام في فقرات:

(أ) ليس لدى المؤرخين صورة صحيحة كاملة عن حياة إلياس واليسع عليهما السلام، إلا أننا نستطيع أن نستخلص من مختلف أقوالهم الأمور البارزة التالية:

-1 عقب انتهاء ملك سليمان عليه السلام في سنة (933)ق.م انقسمت مملكة بني إسرائيل إلى قسمين:

القسم الأول: كان خاضعاً لملك سلالة سليمان بن داود عليه السلام، وأول ملوكهم رُحُبْعام بن سليمان، ويشمل هذا القسم سبطي يهوذا وبنيامين.

القسم الثاني: كان خاضعاً لملك (جربعام) بن ناباط وأسرته من بعده. قالوا: وقد جاءهم (جربعام) من مصر، وهو من سبط أفرايم بن يوسف عليه السلام، وبايعه سائر أسباط بني إسرائيل العشرة، وقد حكمت هذه الأسرة من 933-887ق.م، وهي مدّة (46) سنة تقريباً.

وسبب شقاق الأسباط العشرة عن (رُحُبْعام) بن سليمان، أنه رفض إعفاءهم من الضرائب التي كانت عليهم.

-2 ثم قامت بعد أسرة (جربعام) الحاكمة على أسباط بني إسرائيل العشرة أسرة (عُمْري)؛ وملكت من (887-843)ق.م، وهي مدة (44) سنة تقريباً.

وفي هذه الأثناء-أي نحو (875)ق.م-سمح (أخاب)-أحد ملوك هذه الأسرة-لزوجته إيزابيل بنت أثعيل-ملك صور-أن تقوم بنشر عبادة قومها في بني إسرائيل؛ فشاعت العبادة الوثنية فيهم، فصار لهم صنم يعبدونه يسمونه (بعلاً).

-3 فأرسل الله إليهم (إلياس عليه السلام)، -ويسمى عند المؤرخين: إليشاه أو إيليَّا-فنهاهم عن عبادة الأوثان، وأمرهم بعبادة الله وحده، والرجوع إلى الشريعة الصافية التي جاء بها موسى ومن بعده من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام؛ ونصح بذلك ملكهم (أخاب) فلم يستجب له، وأصرّ على عناده وانحرافه عن الإسلام الخالص من شوائب الوثنية، فانتقم الله منه، فأزال ملكه وملك أسرة عمري على يد (يهوشافاط) وهو من سبط (مِنسَّا) بن يوسف عليه السلام.

-4 وقد آمن بإلياس رجل صالح من بني إسرائيل اسمه: (اليسع = اليشع)، فصاحبه مدة حياته في الأرض ثم أرسله الله من بعده في بني إسرائيل.

-5 جاء في تاريخ الطبري عن ابن إسحاق ما ملخّصه: أن إلياس عليه السلام لما دعا بني إسرائيل إلى نبذ عبادة الأصنام، والاستمساك بعبادة الله وحده، رفضوه ولم يستجيبوا له، فدعا ربه فقال:

اللَّهم إن بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر بك، والعبادة لغيرك، فغيِّر ما بهم من نعمتك. فأوحى الله إليه: إنا جعلنا أمر أرزاقهم بيدك، فأنت الذي تأمر في ذلك، فقال إلياس: اللَّهم فأمسك عنهم المطر، فحبس عنهم المطر، فحبس عنهم ثلاث سنين حتى هلكت الماشية والشجر، وجهد الناس جهداً شديداً. وكان إلياس لما دعا عليهم استخفى عن أعينهم، وكان يأتيه رزقه حيث كان، فكان بنو إسرائيل كلما وجدوا ريح الخبز في دار قالوا: هنا إلياس، فيطلبونه وينال أهلَ ذلك المنزل منهم شرٌّ.

وقد أوى ذات مرة إلى بيت امرأة من بني إسرائيل، لها ابن يقال له، (اليسع بن أخطوب) به ضرٌّ، فأتوه وأخفت أمره، فدعا الله لابنها فعافاه من الضرّ الذي كان به، واتبع إلياسَ وآمن وصدقه ولزمه، فكان يذهب معه حيثما ذهب، وكان إلياس قد أسنّ وكبر، وكان اليسع غلاماً شاباً.

ثم إن إلياس قال لبني إسرائيل: إذا تركتم عبادة الأصنام دعوت الله أن يفرج عنكم، فأخرجوا أصنامهم ومحدثاتهم، فدعا الله لهم ففرج عنهم وأغاثهم، فحييت بلادهم، ولكنهم لم يرجعوا عما كانوا عليه، ولم يستقيموا، فلما رأى ذلك إلياس منهم دعا ربه أن يقبضه إليه فقبضه ورفعه. والله أعلم.

ثم إن الله أرسل إليهم اليسع بعد إلياس.

)ب) أما القرآن الكريم فإنه اقتصر في الحديث عن هذين الرسولين على ما يلي:

-1 إثبات نبوة ورسالة كل من إلياس واليسع.

-2 إثبات دعوة إلياس قومه إلى عبادة الله وحده، ونهيهم عن عبادة الصنم (بعل).

-3 إثبات أن قومه كذبوه إلا عباد الله المخلصين.

-4 إكرام الله له بأن الله ترك في الآخرين سلاماً عليه.

اتمنى ان انال رضاكم واعجابكم واسائلكم الدعاء

العبد الفقير الى الله
حامد عباس رضوان






إذا أعجبك الموضوع فشارك به أصدقااءك وصديقاتك في الفايسبوك
Share


 

توقيع حامد عباس رضوان

منتدياات حد الغربية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

قصص الأنبياء Vide
حامد عباس رضوان
عضو ماسي
عضو ماسي
حامد عباس رضوان
ذكر

عدد المساهماات عدد المساهماات :
194

العمر العمر :
64

النقاط النقاط :
270

التّقييم التّقييم :
3

الإنتساب الإنتساب :
23/10/2008

. :
قصص الأنبياء Empty

 

 


مُساهمةموضوع: قصة سيدنا عيسى عليه السلام   قصص الأنبياء Emptyالسبت 27 فبراير 2010, 10:42

نبذة:
مثل عيسى مثل آدم خلقه الله من تراب وقال له كن فيكون، هو عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وهو الذي بشر بالنبي محمد، آتاه الله البينات وأيده بروح القدس وكان وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، كلم الناس في المهد وكهلا وكان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرا، ويبرئ الأكمه والأبرص ويخرج الموتى كل بإذن الله، دعا المسيح قومه لعبادة الله الواحد الأحد ولكنهم أبوا واستكبروا وعارضوه، ولم يؤمن به سوى بسطاء قومه، رفعه الله إلى السماء وسيهبط حينما يشاء الله إلى الأرض ليكون شهيدا على الناس.
سيرته:


الحديث عن نبي الله عيسى عليه السلام، يستدعي الحديث عن أمه مريم، بل وعن ذرية آل عمران هذه الذرية التي اصطفاها الله تعالى واختارها، كما اختار آدم ونوحا وآل إبراهيم على العالمين.

آل عمران أسرة كريمة مكونة من عمران والد مريم، وامرأة عمران أم مريم، ومريم، وعيسى عليه السلام؛ فعمران جد عيسى لأمه، وامرأة عمران جدته لأمه، وكان عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه، وكانت زوجته امرأة عمران امرأة صالحة كذلك، وكانت لا تلد، فدعت الله تعالى أن يرزقها ولدا، ونذرت أن تجعله مفرغا للعبادة ولخدمة بيت المقدس، فاستجاب الله دعاءها، ولكن شاء الله أن تلد أنثى هي مريم، وجعل الله تعالى كفالتها ورعايتها إلى زكريا عليه السلام، وهو زوج خالتها، وإنما قدر الله ذلك لتقتبس منه علما نافعا، وعملا صالحا.
كانت مريم مثالا للعبادة والتقوى، وأسبغ الله تعالى عليها فضله ونعمه مما لفت أنظار الآخرين، فكان زكريا عليه السلام كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا، فيسألها من أين لك هذا، فتجيب: (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ).

كل ذلك إنما كان تمهيدا للمعجزة العظمى؛ حيث ولد عيسى عليه السلام من هذه المرأة الطاهرة النقية، دون أن يكون له أب كسائر الخلق، واستمع إلى بداية القصة كما أوردها القرآن الكريم، قال تعالى:

وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ (42) (آل عمران)

بهذه الكلمات البسيطة فهمت مريم أن الله يختارها، ويطهرها ويختارها ويجعلها على رأس نساء الوجود.. هذا الوجود، والوجود الذي لم يخلق بعد.. هي أعظم فتاة في الدنيا وبعد قيامة الأموات وخلق الآخرة.. وعادت الملائكة تتحدث:

يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) (آل عمران)

ولادة عيسى عليه السلام:
كان الأمر الصادر بعد البشارة أن تزيد من خشوعها، وسجودها وركوعها لله.. وملأ قلب مريم إحساس مفاجئ بأن شيئا عظيما يوشك أن يقع.. ويروي الله تعالى في القرآن الكريم قصة ولادة عيسى عليه السلام فيقول:

وَاذكُر فِى الكِتَابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِهَا مَكَاناً شَرقِياً (16) فَاتخَذَت مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرسَلنَا إِلَيهَا رُوحَنَا فَتَمَثلَ لَهَا بَشَراً سَوِياً (17) قَالَت إِني أَعُوذُ بِالرحمَـنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِياً (18) قَالَ إِنمَا أَنَا رَسُولُ رَبكِ لأهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِياً (19) قَالَت أنى يَكُونُ لِى غُلامٌ وَلَم يَمسَسنِى بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِياً (20) قَالَ كَذلِكَ قَالَ رَبكَ هُوَ عَلَى هَينٌ وَلِنَجعَلَهُ ءايَةً للناسِ وَرَحمَةً منا وَكَانَ أَمراً مقضِياً (21) (مريم)

جاء جبريل –عليه السلام- لمريم وهي في المحراب على صورة بشر في غاية الجمال. فخافت مريم وقالت: (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا) أرادت أن تحتمي في الله.. وسألته هل هو إنسان طيب يعرف الله ويتقيه.
فجاء جوابه ليطمئنها بأنه يخاف الله ويتقيه: (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا)

اطمئنت مريم للغريب، لكن سرعان ما تذكّرت ما قاله (لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا) استغربت مريم العذراء من ذلك.. فلم يمسسها بشر من قبل.. ولم تتزوج، ولم يخطبها أحد، كيف تنجب بغير زواج!! فقالت لرسول ربّها: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا)

قال الروح الأمين: (كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا)

استقبل عقل مريم كلمات الروح الأمين.. ألم يقل لها إن هذا هو أمر الله ..؟ وكل شيء ينفذ إذا أمر الله.. ثم أي غرابة في أن تلد بغير أن يمسسها بشر..؟ لقد خلق الله سبحانه وتعالى آدم من غير أب أو أم، لم يكن هناك ذكر وأنثى قبل خلق آدم. وخلقت حواء من آدم فهي قد خلقت من ذكر بغير أنثى.. ويخلق ابنها من غير أب.. يخلق من أنثى بغير ذكر.. والعادة أن يخلق الإنسان من ذكر وأنثى.. العادة أن يكون له أب وأم.. لكن المعجزة تقع عندما يريد الله تعالى أن تقع.. عاد جبريل عليه السلام يتحدث: (إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ)

زادت دهشة مريم.. قبل أن تحمله في بطنها تعرف اسمه.. وتعرف أنه سيكون وجيها عند الله وعند الناس، وتعرف أنه سيكلم الناس وهو طفل وهو كبير.. وقبل أن يتحرك فم مريم بسؤال آخر.. نفخ جبريل عليه السلام في جيب مريم الجيب هو شق الثوب الذي يكون في الصدر- فحملت فورا.
ومرت الأيام.. كان حملها يختلف عن حمل النساء.. لم تمرض ولم تشعر بثقل ولا أحست أن شيئا زاد عليها ولا ارتفع بطنها كعادة النساء.. كان حملها به نعمة طيبة. وجاء الشهر التاسع.. وفي العلماء من يقول إن الفاء تفيد التعقيب السريع.. بمعنى أن مريم لم تحمل بعيسى تسعة أشهر، وإنما ولدته مباشرة كمعجزة..
خرجت مريم ذات يوم إلى مكان بعيد.. إنها تحس أن شيئا سيقع اليوم.. لكنها لا تعرف حقيقة هذا الشيء.. قادتها قدماها إلى مكان يمتلئ بالشجر.. والنخل، مكان لا يقصده أحد لبعده.. مكان لا يعرفه غيرها.. لم يكن الناس يعرفون أن مريم حامل.. وإنها ستلد.. كان المحراب مغلقا عليها، والناس يعرفون أنها تتعبد فلا يقترب منها أحد..
جلست مريم تستريح تحت جذع نخلة؛ لم تكن نخلة كاملة، إنما جذع فقط، لتظهر معجزات الله سبحانه وتعالى لمريم عند ولادة عيسى فيطمئن قلبها.. وراحت تفكر في نفسها.. كانت تشعر بألم.. وراح الألم يتزايد ويجيء في مراحل متقاربة.. وبدأت مريم تلد..

فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) (مريم)
إن ألم الميلاد يحمل لنفس العذراء الطاهرة آلاما أخرى تتوقعها ولم تقع بعد.. كيف يستقبل الناس طفلها هذا..؟ وماذا يقولون عنها..؟ إنهم يعرفون أنها عذراء.. فكيف تلد العذراء..؟ هل يصدق الناس أنها ولدته بغير أن يمسسها بشر..؟ وتصورت نظرات الشك.. وكلمات الفضول.. وتعليقات الناس.. وامتلأ قلبها بالحزن..
وولدت في نفس اللحظة من قدر عليه أن يحمل في قلبه أحزان البشرية.. لم تكد مريم تنتهي من تمنيها الموت والنسيان، حتى نادها الطفل الذي ولد:

فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26) (مريم)

نظرت مريم إلى المسيح.. سمعته يطلب منها أن تكف عن حزنها.. ويطلب منها أن تهز جذع النخلة لتسقط عليها بعض ثمارها الشهية.. فلتأكل، ولتشرب، ولتمتلئ بالسلام والفرح ولا تفكر في شيء.. فإذا رأت من البشر أحدا فلتقل لهم أنها نذرت للرحمن صوما فلن تكلم اليوم إنسانا.. ولتدع له الباقي..
لم تكد تلمس جذعها حتى تساقط عليها رطب شهي.. فأكلت وشربت ولفت الطفل في ملابسها.. كان تفكير مريم العذراء كله يدور حول مركز واحد.. هو عيسى، وهي تتساءل بينها وبين نفسها: كيف يستقبله اليهود..؟ ماذا يقولون فيه..؟ هل يصدق أحد من كهنة اليهود الذين يعيشون على الغش والخديعة والسرقة..؟ هل يصدق أحدهم وهو بعيد عن الله أن الله هو الذي رزقها هذا الطفل؟ إن موعد خلوتها ينتهي، ولا بد أن تعود إلى قومها.. فماذا يقولون الناس؟
مواجهة القوم:
كان الوقت عصرا حين عادت مريم.. وكان السوق الكبير الذي يقع في طريقها إلى المسجد يمتلئ بالناس الذي فرغوا من البيع والشراء وجلسوا يثرثرون. لم تكد مريم تتوسط السوق حتى لاحظ الناس أنها تحمل طفلا، وتضمه لصدرها وتمشي به في جلال وبطئ..
تسائل أحد الفضوليين: أليست هذه مريم العذراء..؟ طفل من هذا الذي تحمله على صدرها..؟
قال أحدهم: هو طفلها.. ترى أي قصة ستخرج بها علينا..؟
وجاء كهنة اليهود يسألونها.. ابن من هذا يا مريم؟ لماذا لا تردين؟ هو ابنك قطعا.. كيف جاءك ولد وأنت عذراء؟

يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) (مريم)
الكلمة ترمي مريم بالبغاء.. هكذا مباشرة دون استماع أو تحقيق أو تثبت.. ترميها بالبغاء وتعيرها بأنها من بيت طيب وليست أمها بغيا.. فكيف صارت هي كذلك؟ راحت الاتهامات تسقط عليها وهي مرفوعة الرأس.. تومض عيناها بالكبرياء والأمومة.. ويشع من وجهها نور يفيض بالثقة.. فلما زادت الأسئلة، وضاق الحال، وانحصر المجال، وامتنع المقال، اشتد توكلها على ذي الجلال وأشارت إليه..
أشارت بيدها لعيسى.. واندهش الناس.. فهموا أنها صائمة عن الكلام وترجو منهم أن يسألوه هو كيف جاء.. تساءل الكهنة ورؤساء اليهود كيف يوجهون السؤال لطفل ولد منذ أيام.. هل يتكلم طفل في لفافته..؟!
قالوا لمريم: (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا).

قال عيسى:

قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) (مريم)

لم يكد عيسى ينتهي من كلامه حتى كانت وجوه الكهنة والأحبار ممتقعة وشاحبة.. كانوا يشهدون معجزة تقع أمامهم مباشرة.. هذا طفل يتكلم في مهده.. طفل جاء بغير أب.. طفل يقول أن الله قد آتاه الكتاب وجعله نبيا.. هذا يعني إن سلطتهم في طريقها إلى الانهيار.. سيصبح كل واحد فيهم بلا قيمة عندما يكبر هذا الطفل.. لن يستطيع أن يبيع الغفران للناس، أو يحكمهم عن طريق ادعائه أنه ظل السماء على الأرض، أو باعتباره الوحيد العارف في الشريعة.. شعر كهنة اليهود بالمأساة الشخصية التي جاءتهم بميلاد هذا الطفل.. إن مجرد مجيء المسيح يعني إعادة الناس إلى عبادة الله وحده.. وهذا معناه إعدام الديانة اليهودية الحالية.. فالفرق بين تعاليم موسى وتصرفات اليهود كان يشبه الفرق بين نجوم السماء ووحل الطرقات.. وتكتم رهبان اليهود قصة ميلاد عيسى وكلامه في المهد.. واتهموا مريم العذراء ببهتان عظيم.. اتهموها بالبغاء.. رغم أنهم عاينوا بأنفسهم معجزة كلام ابنها في المهد.
وتخبرنا بعض الروايات أن مريم هاجرت بعيسى إلى مصر، بينما تخبرنا روايات أخرى بأن هجرتها كانت من بيت لحم لبيت المقدس. إلا أن المعروف لدينا هو أن هذه الهجرة كانت قبل بعثته.

معجزاته:
كبر عيسى.. ونزل عليه الوحي، وأعطاه الله الإنجيل. وكان عمره آنذاك -كما يرى الكثير من العلماء- ثلاثون سنة. وأظهر الله على يديه المعجزات. يقول المولى عزّ وجل في كتابه عن معجزات عيسى عليه السلام:

وَيُعَلمُهُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَالتورَاةَ وَالإِنجِيلَ (48) وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسرائيلَ أني قَد جِئتُكُم بِآيَةٍ من ربكُم أَنِي أَخلُقُ لَكُم منَ الطينِ كَهَيئَةِ الطيرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيرًا بِإِذنِ اللهِ وَأُبرِىْ الأكمَهَ والأبرَصَ وَأُحي المَوتَى بِإِذنِ اللهِ وَأُنَبئُكُم بِمَا تَأكُلُونَ وَمَا تَدخِرُونَ فِى بُيُوتِكُم إِن فِي ذلِكَ لآيَةً لكُم إِن كُنتُم مؤمِنِينَ (49) وَمُصَدقًا لمَا بَينَ يَدَي مِنَ التورَاةِ وَلأحِل لَكُم بَعضَ الذِي حُرمَ عَلَيكُم وَجِئتُكُم بِآيَةٍ من ربكُم فَاتقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِن اللهَ رَبي وَرَبكُم فَاعبُدُوهُ هَـذَا صِراطٌ مستَقِيمٌ (51) (آل عمران)
فكان عيسى –عليه السلام- رسولا لبني إسرائيل فقط. ومعجزاته هي:



  • علّمه الله التوراة.
  • يصنع من الطين شكل الطير ثم ينفخ فيه فيصبح طيرا حيّا يطير أمام أعينهم.
  • يعالج الأكمه (وهو من ولد أعمى)، فيمسح على عينيه أمامهم فيبصر.
  • يعالج الأبرص (وهو المرض الذي يصيب الجلد فيجعل لونه أبيضا)، فيسمح على جسمه فيعود سليما.
  • يخبرهم بما يخبئون في بيوتهم، وما أعدّت لهم زوجاتهم من طعام.
  • وكان –عليه السلام- يحيي الموتى.
إيمان الحواريون:
جاء عيسى ليخفف عن بني إسرائيل بإباحة بعض الأمور التي حرمتها التوراة عليهم عقابا لهم. إلا أن بني إسرائيل –مع كل هذه الآيات- كفروا. قال تعالى:
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) (آل عمران)
وقال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14) (الصف)
قيل أن عدد الحواريين كان سبعة عشر رجلا، لكن الروايات الأرجح أنهم كانوا اثني عشر رجلا. آمن الحواريون، لكن التردد لا يزال موجودا في نفوسهم. قال الله تعالى قصة هذا التردد:
إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112) قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (115) (المائدة)
استجاب الله عز وجل، لكنه حذّرهم من الكفر بعد هذه الآية التي جاءت تلبية لطلبهم. نزلت المائدة، وأكل الحواريون منها، وظلوا على إيمانهم وتصديقهم لعيسى –عليه السلام- إلا رجل واحد كفر بعد رفع عيسى عليه السلام.
رفع عيسى عليه السلام:
لما بدأ الناس يتحدثون عن معجزات عيسى عليه السلام، خاف رهبان اليهود أن يتبع الناس الدين الجديد فيضيع سلطانهم. فذهبوا لمَلك تلك المناطق وكان تابعا للروم. وقالوا له أن عيسى يزعم أنه مَلك اليهود، وسيأخذ المُلك منك. فخاف المَلك وأمر بالبحث عن عيسى –عليه السلام- ليقتله.
جاءت روايات كثيرة جدا عن رفع عيسى –عليه السلام- إلى السماء، معظمها من الإسرائيليات أو نقلا عن الإنجيل. وسنشير إلى أرجح رواية هنا.
عندما بلغ عيسى عليه السلام أنهم يريدون قتله، خرج على أصحابه وسألهم من منهم مستعد أن يلقي الله عليه شبهه فيصلب بدلا منه ويكون معه في الجنة. فقام شاب، فحنّ عليه عيسى عليه السلام لأنه لا يزال شابا. فسألهم مرة ثانية، فقام نفس الشاب. فنزل عليه شبه عيسى عليه السلام، ورفع الله عيسى أمام أعين الحواريين إلى السماء. وجاء اليهود وأخذوا الشبه وقتلوه ثم صلبوه. ثم أمسك اليهود الحواريين فكفر واحد منهم. ثم أطلقوهم خشية أن يغضب الناس. فظل الحواريون يدعون بالسر. وظل النصارى على التوحيد أكثر من مئتين سنة. ثم آمن أحد ملوك الروم واسمه قسطنطين، وأدخل الشركيات في دين النصارى.
يقول ابن عباس: افترق النصارى ثلاث فرق. فقالت طائفة: كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء. وقالت طائفة: كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه الله إليه. وقلت طائفة: كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء ثم رفعه الله إليه. فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا –صلى الله عليه وسلم- فذلك قول الله تعالى: (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ).
وقال تعالى عن رفعه:
وَقَولِهِم إِنا قَتَلنَا المَسِيحَ عِيسَى ابنَ مَريَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبهَ لَهُم وَإِن الذِينَ اختَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَك منهُ مَا لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ إِلا اتبَاعَ الظن وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَل رفَعَهُ اللهُ إِلَيهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) وَإِن من أَهلِ الكِتَابِ إِلا لَيُؤمِنَن بِهِ قَبلَ مَوتِهِ وَيَومَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيهِم شَهِيداً (159) (النساء)
لا يزال عيسى –عليه السلام- حيا. ويدل على ذلك أحاديث صحيحة كثيرة. والحديث الجامع لها في مسند الإمام أحمد:
حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا يحيى، عن ابن أبي عروبة قال: ثنا قتادة، عن عبد الرحمن بن آدم، عن أبي هريرة،: (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأنبياء إخوة لعلات، دينهم واحد وأمهاتهم شتى، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وأنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، سبط كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل بين ممصرتين، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، و يعطل الملل حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال الكذاب، وتقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الإبل مع الأسد جميعاً، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا يضر بعضهم بعضاً، فيمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يتوفى، فيصلي عليه المسلمون و يدفنونه.)
(مربوع) ليس بالطويل وليس بالقصير، (إلى الحمرة والبياض) وجهه أبيض فيه احمرار، (سبط) شعره ناعم، (ممصرتين) عصاتين أو منارتين وفي الحديث الآخر ينزل عند المنارة البيضاء من مسجد دمشق.
وفي الحديث الصحيح الآخر يحدد لنا رسولنا الكريم مدة مكوثه في الأرض فيقول: (فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى، و يصلي عليه المسلمون).
لا بد أن يذوق الإنسان الموت. عيسى لم يمت وإنما رفع إلى السماء، لذلك سيذوق الموت في نهاية الزمان.
ويخبرنا المولى عز وجل بحوار لم يقع بعد، هو حواره مع عيسى عليه السلام يوم القيامة فيقول:
وَإِذ قَالَ اللهُ يا عِيسَى ابنَ مَريَمَ أَءنتَ قُلتَ لِلناسِ اتخِذُونِي وَأُميَ إِلَـهَينِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَن أَقُولَ مَا لَيسَ لِي بِحَق إِن كُنتُ قُلتُهُ فَقَد عَلِمتَهُ تَعلَمُ مَا فِى نَفسِي وَلاَ أَعلَمُ مَا فِى نَفسِكَ إِنكَ أَنتَ عَلامُ الغُيُوبِ (116) مَا قُلتُ لَهُم إِلا مَا أَمَرتَنِي بِهِ أَنِ اعبُدُوا اللهَ رَبي وَرَبكُم وَكُنتُ عَلَيهِم شَهِيداً ما دُمتُ فِيهِم فَلَما تَوَفيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرقِيبَ عَلَيهِم وَأَنتَ عَلَى كُل شَىء شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذبهُم فَإِنهُم عِبَادُكَ وَإِن تَغفِر لَهُم فَإِنكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (118) (المائدة)
هذا هو عيسى بن مريم عليه السلام، آخر الرسل قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

اتمنى انا انال رضاكم واعجابكم واسائلكم الدعاء
العبد الفقير الى الله
حامد عباس رضوان






addthis_url = 'http%3A%2F%2Fwww.2lex.com%2Farchives%2F490';
addthis_title = '%D9%82%D8%B5%D8%A9+%D8%B3%D9%8A%D8%AF%D9%86%D8%A7+%D8%B9%D9%8A%D8%B3%D9%89+%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87+%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85';
addthis_pub = '';

إذا أعجبك الموضوع فشارك به أصدقااءك وصديقاتك في الفايسبوك
Share


 

توقيع حامد عباس رضوان

منتدياات حد الغربية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

قصص الأنبياء Vide
حامد عباس رضوان
عضو ماسي
عضو ماسي
حامد عباس رضوان
ذكر

عدد المساهماات عدد المساهماات :
194

العمر العمر :
64

النقاط النقاط :
270

التّقييم التّقييم :
3

الإنتساب الإنتساب :
23/10/2008

. :
قصص الأنبياء Empty

 

 


مُساهمةموضوع: قصة سيدنا ايوب عليه الصلاة وسلام   قصص الأنبياء Emptyالسبت 27 فبراير 2010, 10:46

قصة سيدنا ايوب عليه الصلاة وسلام
يقول الله تبارك وتعالى:‏ واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الشيطان بنصب وعذاب (41) {سورة ص‏...

كان أيوب كثير المال ءاتاه الله الغنى والصحة والمال وكثرة الأولاد، وابتلاء بالنعمة والرخاء ولم ‏تفتنه زينة الحياة الدنيا ولم تخدعه ولم تشغلهعن طاعة الله، وكان عليه السلام يملك ‏الأراضي المتسعة من أرض حوران، ثم ابتلاه الله بعد ذلك بالضر الشديد في جسده وماله ‏وولده فقد ذهب ماله ماله ومات أولاده جميعهم، فصبر على ذلك صبرا جميلا ولم ينقطع عن عبادة ‏ربه وشكره، وفوق هذا البلاء الذي ابتلي به في أمواله وأولاده.

ابتلاه الله بأنواع من الأمراض ‏الجسيمة في بدنه حتى قيل: إنه لم يبقى من جسده سليمًا إلا قلبه ولسانه يذكر الله ‏عزوجل بهما، وهو في كل هذا البلاء صابر محتسب يرجو ثواب الله في الآخرة، ذاكرًا لمولاه ‏في جميع أحواله في ليله ونهاره وصباحه ومسائه وطال مرضه عليه الصلاة والسلام ولزمه ثماني عشرة سنة وكانت زوجته لا تفارقه صباحًا ‏ولا مساء إلا بسبب خدمة الناس بالأجرة لتطعمه وتقوم بحاجاته.

كثرت البلايا والأمراض على نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام طيلة ثماني عشرة سنة، ‏وهو صابر محتسب يرجو الثواب من الله تعالى، فدعا الله وابتهل إليه بخشوع وتضرع قائلا:‏ وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين (83) {سورة الأنبياء‏
ثم خرج عليه السلام لقضاء حاجته وأمسكت زوجته بيده إلى مكان بعيد عن أعين الناس ‏لقضاء حاجته فلما فرغ عليه السلام أوحى الله تبارك وتعالى إليه في مكانه:‏ أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب (42) {سورة ص‏
فأمره الله تعالىأن يضرب برجله الأرض، فامتثل عليه السلام ما أمره الله به وأنبع الله تبارك ‏وتعالى له بمشيئته وقدرته عينين فشرب من إحداهما واغتسل من العين الأخرى فأذهب ‏الله عنه ما كان يجده من المرض وتكاملت العافية وأبدله بعد ذلك صحة ظاهرة وباطنة، ولما ‏استبطأته زوجته وطال انتظارها، أقبل نبي الله أيوب عليه السلام إليها سليمًا صحيحًا على ‏أحسن ما كان فلما رأته لم تعرفه فقالت له: بارك الله فيك هل رأيت نبي الله أيوب هذا ‏المبتلى؟ فوالله على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحًا، فقال لها عليه الصلاة ‏والسلام: فإني أنا هو.‏ وكان لنبي الله أيوب عليه السلام بيدران بيدر للقمح وبيدر للشعير فبعث الله تبارك وتعالى ‏بقدرته سحابتين، فلما كانت إحداهما على بيدر القمح أفرغت فيه
الذهب حتى فاض، ‏وأفرغت السحابة الأخرى على بيدر الشعير الفضة حتى فاض وعم، وبينما كان أيوب عليه ‏السلام يغتسل خرّ عليه وسقط جراد من ذهب وهذا إكرام من الله تعالى لنبيه أيوب عليه ‏السلام ومعجزة له، فشرع عليه السلام يحثي ويجمع في الثوب الذي كان معه استكثارًا من ‏البركة والخير


اتمنى ان انال رضالكم واعجابكم واسائلكم الدعاء
العبد الفقير الى الله
حامد عباس رضوان




إذا أعجبك الموضوع فشارك به أصدقااءك وصديقاتك في الفايسبوك
Share


 

توقيع حامد عباس رضوان

منتدياات حد الغربية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

قصص الأنبياء Vide
حامد عباس رضوان
عضو ماسي
عضو ماسي
حامد عباس رضوان
ذكر

عدد المساهماات عدد المساهماات :
194

العمر العمر :
64

النقاط النقاط :
270

التّقييم التّقييم :
3

الإنتساب الإنتساب :
23/10/2008

. :
قصص الأنبياء Empty

 

 


مُساهمةموضوع: قصة سيدنا يحيى علية السلام   قصص الأنبياء Emptyالسبت 27 فبراير 2010, 11:00


قال تعالى في سورة (آل عمران):

هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء (38) فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ

وقال تعالى في سورة (مريم):

يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا

وقال تعالى في سورة (مريم):

يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا

هذا هو يحيي، نبي الله الذي شهد الحق عز وجل له أنه لم يجعل له من قبل شبيها ولا مثيلا، وهو النبي الذي قال الحق عنه: (وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا)..

ومثلما أوتي الخضر علما من لدن الله، أوتي يحيي حنانا من لدن الله، والعلم مفهوم، والحنان هو العلم الشمولي الذي يشيع في نسيجه حب عميق للكائنات ورحمة بها، كأن الحنان درجة من درجات الحب الذي ينبع من العلم.

ولقد كان يحيي في الأنبياء نموذجا لا مثيل له في النسك والزهد والحب الإلهي.. هو النبي الناسك. كان يضيء حبا لكل الكائنات، وأحبه الناس وأحبته الطيور والوحوش والصحاري والجبال، ثم أهدرت دمه كلمة حق قالها في بلاط ملك ظالم، بشأن أمر يتصل براقصة بغي.

يذكر العلماء فضل يحيي ويوردون لذلك أمثلة كثيرة. كان يحيي معاصرا لعيسى وقريبه من جهة الأم (ابن خالة أمه)..

وتروي السنة أن يحيي وعيسى التقيا يوما.

فقال عيسى ليحيي: استغفر لي يا يحيي.. أنت خير مني.

قال يحيي: استغفر لي يا عيسى. أنت خير مني.

قال عيسى: بل أنت خير مني.. سلمت على نفسي وسلم الله عليك.

تشير القصة إلى فضل يحيي حين سلم الله عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.

ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه يوما فوجدهم يتذاكرون فضل الأنبياء.

قال قائل: موسى كليم الله.

وقال قائل: عيسى روح الله وكلمته.

وقال قائل: إبراهيم خليل الله.

ومضى الصحابة يتحدثون عن الأنبياء، فتدخل الرسول عليه الصلاة والسلام حين رآهم لا يذكرون يحيي. أين الشهيد ابنالشهيد؟ يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب. أين يحيي بن زكريا؟

ولد يحيي عليه السلام.. كان ميلاده معجزة.. فقد جاء لأبيه زكريا بعد عمر طال حتى يئس الشيخ من الذرية.. وجاء بعد دعوة نقية تحرك بها قلب النبي زكريا.

ولد يحيي عليه السلام فجاءت طفولته غريبة عن دنيا الأطفال.. كان معظم الأطفال يمارسون اللهو، أما هو فكان جادا طوال الوقت.. كان بعض الأطفال يتسلى بتعذيب الحيوانات، وكان يحيي يطعم الحيوانات والطيور من طعامه رحمة بها، وحنانا عليها، ويبقى هو بغير طعام.. أو يأكل من أوراق الشجر أو ثمارها.

وكلما كبر يحيي في السن زاد النور في وجهه وامتلأ قلبه بالحكمة وحب الله والمعرفة والسلام. وكان يحيي يحب القراءة، وكان يقرأ في العلم من طفولته.. فلما صار صبيا نادته رحمة ربه:

يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا

صدر الأمر ليحيي وهو صبي أن يأخذ الكتاب بقوة، بمعنى أن يدرس الكتاب بإحكام، كتاب الشريعة.. رزقه الله الإقبال على معرفة الشريعة والقضاء بين الناس وهو صبي.. كان أعلم الناس وأشدهم حكمة في زمانه درس الشريعة دراسة كاملة، ولهذا السبب آتاه الله الحكم وهو صبي.. كان يحكم بين الناس، ويبين لهم أسرار الدين، ويعرفهم طريق الصواب ويحذرهم من طريق الخطأ.

وكبر يحيي فزاد علمه، وزادت رحمته، وزاد حنانه بوالديه، والناس، والمخلوقات، والطيور، والأشجار.. حتى عم حنانه الدنيا وملأها بالرحمة.. كان يدعو الناس إلى التوبة من الذنوب، وكان يدعو الله لهم.. ولم يكن هناك إنسان يكره يحيي أو يتمنى له الضرر. كان محبوبا لحنانه وزكاته وتقواه وعلمه وفضله.. ثم زاد يحيي على ذلك بالتنسك.

وكان يحيي إذا وقف بين الناس ليدعوهم إلى الله أبكاهم من الحب والخشوع.. وأثر في قلوبهم بصدق الكلمات وكونها قريبة العهد من الله وعلى عهد الله..

وجاء صباح خرج فيه يحيي على الناس.. امتلأ المسجد بالناس، ووقف يحيي بن زكريا وبدأ يتحدث.. قال: إن الله عز وجل أمرني بكلمات أعمل بها، وآمركم أن تعملوا بها.. أن تعبدوا الله وحده بلا شريك.. فمن أشرك بالله وعبد غيره فهو مثل عبد اشتراه سيده فراح يعمل ويؤدي ثمن عمله لسيد غير سيده.. أيكم يحب أن يكون عبده كذلك..؟ وآمركم بالصلاة لأن الله ينظر إلى عبده وهو يصلي، ما لم يلتفت عن صلاته.. فإذا صليتم فاخشعوا.. وآمركم بالصيام.. فان مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك جميل الرائحة، كلما سار هذا الرجل فاحت منه رائحة المسك المعطر. وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، فان مثل ذلك كمثل رجل طلبه أعداؤه فأسرع لحصن حصين فأغلقه عليه.. وأعظم الحصون ذكر الله.. ولا نجاة بغير هذا الحصن.

كان أحد ملوك ذلك الزمان طاغية ضيق العقل غبي القلب يستبد برأيه، وكان الفساد منتشرا في بلاطه.. وكان يسمع أنباء متفرقة عن يحيي فيدهش لأن الناس يحبون أحدا بهذا القدر، وهو ملك ورغم ذلك لا يحبه أحد.

وكان الملك يريد الزواج من ابنة أخيه، حيث أعجبه جمالها، وهي أيضا طمعت بالملك، وشجعتها أمها على ذلك. وكانوا يعلمون أن هذا حرام في دينهم. فأرد الملك أن يأخذ الإذن من يحيى عليه السلام. فذهبوا يستفتون يحيى ويغرونه بالأموال ليستثني الملك.

لم يكن لدى الفتاة أي حرج من الزواج بالحرام، فلقد كانت بغيّ فاجرة. لكن يحيى عليه السلام أعلن أمام الناس تحريم زواج البنت من عمّها. حتى يعلم الناس –إن فعلها الملك- أن هذا انحراف. فغضب الملك وأسقط في يده، فامتنع عن الزواج.

لكن الفتاة كانت لا تزال طامعة في الملك. وفي إحدى الليالي الفاجرة أخذت البنت تغني وترقص فأرادها الملك لنفسهن فأبت وقالت: إلا أن تتزوجني. قال: كيف أتزوجك وقد نهانا يحيى. قالت: ائتني برأس يحيى مهرا لي. وأغرته إغراء شديدا فأمر في حينه بإحضار رأس يحيى له.

فذهب الجنود ودخلوا على يحيى وهو يصلي في المحراب. وقتلوه، وقدموا رأسه على صحن للملك، فقدّم الصحن إلى هذه البغيّ وتزوجها بالحرام.

اتمنى ان انال رضاكم واعجابكم واسائلكم الدعاء
العبد الفقير الى الله
حامد عباس رضوان











google_protectAndRun("ads_core.google_render_ad", google_handleError, google_render_ad);

إذا أعجبك الموضوع فشارك به أصدقااءك وصديقاتك في الفايسبوك
Share


 

توقيع حامد عباس رضوان

منتدياات حد الغربية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

قصص الأنبياء Vide
حامد عباس رضوان
عضو ماسي
عضو ماسي
حامد عباس رضوان
ذكر

عدد المساهماات عدد المساهماات :
194

العمر العمر :
64

النقاط النقاط :
270

التّقييم التّقييم :
3

الإنتساب الإنتساب :
23/10/2008

. :
قصص الأنبياء Empty

 

 


مُساهمةموضوع: قصة سيدنا يحيى علية السلام   قصص الأنبياء Emptyالسبت 27 فبراير 2010, 11:05



قصة سيدنا يحيى عليه السلام


قال تعالى في سورة (آل عمران):

هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء (38) فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ

وقال تعالى في سورة (مريم):

يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا

وقال تعالى في سورة (مريم):

يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا

هذا هو يحيي، نبي الله الذي شهد الحق عز وجل له أنه لم يجعل له من قبل شبيها ولا مثيلا، وهو النبي الذي قال الحق عنه: (وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا)..

ومثلما أوتي الخضر علما من لدن الله، أوتي يحيي حنانا من لدن الله، والعلم مفهوم، والحنان هو العلم الشمولي الذي يشيع في نسيجه حب عميق للكائنات ورحمة بها، كأن الحنان درجة من درجات الحب الذي ينبع من العلم.

ولقد كان يحيي في الأنبياء نموذجا لا مثيل له في النسك والزهد والحب الإلهي.. هو النبي الناسك. كان يضيء حبا لكل الكائنات، وأحبه الناس وأحبته الطيور والوحوش والصحاري والجبال، ثم أهدرت دمه كلمة حق قالها في بلاط ملك ظالم، بشأن أمر يتصل براقصة بغي.

يذكر العلماء فضل يحيي ويوردون لذلك أمثلة كثيرة. كان يحيي معاصرا لعيسى وقريبه من جهة الأم (ابن خالة أمه)..

وتروي السنة أن يحيي وعيسى التقيا يوما.

فقال عيسى ليحيي: استغفر لي يا يحيي.. أنت خير مني.

قال يحيي: استغفر لي يا عيسى. أنت خير مني.

قال عيسى: بل أنت خير مني.. سلمت على نفسي وسلم الله عليك.

تشير القصة إلى فضل يحيي حين سلم الله عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.

ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه يوما فوجدهم يتذاكرون فضل الأنبياء.

قال قائل: موسى كليم الله.

وقال قائل: عيسى روح الله وكلمته.

وقال قائل: إبراهيم خليل الله.

ومضى الصحابة يتحدثون عن الأنبياء، فتدخل الرسول عليه الصلاة والسلام حين رآهم لا يذكرون يحيي. أين الشهيد ابنالشهيد؟ يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب. أين يحيي بن زكريا؟

ولد يحيي عليه السلام.. كان ميلاده معجزة.. فقد جاء لأبيه زكريا بعد عمر طال حتى يئس الشيخ من الذرية.. وجاء بعد دعوة نقية تحرك بها قلب النبي زكريا.

ولد يحيي عليه السلام فجاءت طفولته غريبة عن دنيا الأطفال.. كان معظم الأطفال يمارسون اللهو، أما هو فكان جادا طوال الوقت.. كان بعض الأطفال يتسلى بتعذيب الحيوانات، وكان يحيي يطعم الحيوانات والطيور من طعامه رحمة بها، وحنانا عليها، ويبقى هو بغير طعام.. أو يأكل من أوراق الشجر أو ثمارها.

وكلما كبر يحيي في السن زاد النور في وجهه وامتلأ قلبه بالحكمة وحب الله والمعرفة والسلام. وكان يحيي يحب القراءة، وكان يقرأ في العلم من طفولته.. فلما صار صبيا نادته رحمة ربه:

يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا

صدر الأمر ليحيي وهو صبي أن يأخذ الكتاب بقوة، بمعنى أن يدرس الكتاب بإحكام، كتاب الشريعة.. رزقه الله الإقبال على معرفة الشريعة والقضاء بين الناس وهو صبي.. كان أعلم الناس وأشدهم حكمة في زمانه درس الشريعة دراسة كاملة، ولهذا السبب آتاه الله الحكم وهو صبي.. كان يحكم بين الناس، ويبين لهم أسرار الدين، ويعرفهم طريق الصواب ويحذرهم من طريق الخطأ.

وكبر يحيي فزاد علمه، وزادت رحمته، وزاد حنانه بوالديه، والناس، والمخلوقات، والطيور، والأشجار.. حتى عم حنانه الدنيا وملأها بالرحمة.. كان يدعو الناس إلى التوبة من الذنوب، وكان يدعو الله لهم.. ولم يكن هناك إنسان يكره يحيي أو يتمنى له الضرر. كان محبوبا لحنانه وزكاته وتقواه وعلمه وفضله.. ثم زاد يحيي على ذلك بالتنسك.

وكان يحيي إذا وقف بين الناس ليدعوهم إلى الله أبكاهم من الحب والخشوع.. وأثر في قلوبهم بصدق الكلمات وكونها قريبة العهد من الله وعلى عهد الله..

وجاء صباح خرج فيه يحيي على الناس.. امتلأ المسجد بالناس، ووقف يحيي بن زكريا وبدأ يتحدث.. قال: إن الله عز وجل أمرني بكلمات أعمل بها، وآمركم أن تعملوا بها.. أن تعبدوا الله وحده بلا شريك.. فمن أشرك بالله وعبد غيره فهو مثل عبد اشتراه سيده فراح يعمل ويؤدي ثمن عمله لسيد غير سيده.. أيكم يحب أن يكون عبده كذلك..؟ وآمركم بالصلاة لأن الله ينظر إلى عبده وهو يصلي، ما لم يلتفت عن صلاته.. فإذا صليتم فاخشعوا.. وآمركم بالصيام.. فان مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك جميل الرائحة، كلما سار هذا الرجل فاحت منه رائحة المسك المعطر. وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، فان مثل ذلك كمثل رجل طلبه أعداؤه فأسرع لحصن حصين فأغلقه عليه.. وأعظم الحصون ذكر الله.. ولا نجاة بغير هذا الحصن.

كان أحد ملوك ذلك الزمان طاغية ضيق العقل غبي القلب يستبد برأيه، وكان الفساد منتشرا في بلاطه.. وكان يسمع أنباء متفرقة عن يحيي فيدهش لأن الناس يحبون أحدا بهذا القدر، وهو ملك ورغم ذلك لا يحبه أحد.

وكان الملك يريد الزواج من ابنة أخيه، حيث أعجبه جمالها، وهي أيضا طمعت بالملك، وشجعتها أمها على ذلك. وكانوا يعلمون أن هذا حرام في دينهم. فأرد الملك أن يأخذ الإذن من يحيى عليه السلام. فذهبوا يستفتون يحيى ويغرونه بالأموال ليستثني الملك.

لم يكن لدى الفتاة أي حرج من الزواج بالحرام، فلقد كانت بغيّ فاجرة. لكن يحيى عليه السلام أعلن أمام الناس تحريم زواج البنت من عمّها. حتى يعلم الناس –إن فعلها الملك- أن هذا انحراف. فغضب الملك وأسقط في يده، فامتنع عن الزواج.

لكن الفتاة كانت لا تزال طامعة في الملك. وفي إحدى الليالي الفاجرة أخذت البنت تغني وترقص فأرادها الملك لنفسهن فأبت وقالت: إلا أن تتزوجني. قال: كيف أتزوجك وقد نهانا يحيى. قالت: ائتني برأس يحيى مهرا لي. وأغرته إغراء شديدا فأمر في حينه بإحضار رأس يحيى له.

فذهب الجنود ودخلوا على يحيى وهو يصلي في المحراب. وقتلوه، وقدموا رأسه على صحن للملك، فقدّم الصحن إلى هذه البغيّ وتزوجها بالحرام

اتمنى ان انال رضاكم واعجابكم واسائلكم الدعاء
العبد الفقير الى الله
حامد عباس رضوان






إذا أعجبك الموضوع فشارك به أصدقااءك وصديقاتك في الفايسبوك
Share


 

توقيع حامد عباس رضوان

منتدياات حد الغربية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

قصص الأنبياء Vide
zaizon
مراقب إداري
مراقب إداري
zaizon
ذكر

عدد المساهماات عدد المساهماات :
11413

العمر العمر :
35

النقاط النقاط :
10127

التّقييم التّقييم :
21

الهواية الهواية :
كل الهوايات المحمودة

الإنتساب الإنتساب :
23/04/2008

. :
قصص الأنبياء 5110
قصص الأنبياء M710
------------------
الوسام إهداء من مغربية وافتخر
مسؤولة كشاكيل وألبومات
حد الغربية
قصص الأنبياء Icon
قصص الأنبياء Rachid11
قصص الأنبياء Rachid12


 

 


مُساهمةموضوع: رد: قصص الأنبياء   قصص الأنبياء Emptyالأحد 12 ديسمبر 2010, 15:04

تم بحمد الله دمج القصص في موضوع واحد
أتمنى أن لاتحرمنا مزيدا من قصص الأنبياء والصالحين
جاري قراءة قصة سيدنا عيسى عليه السلام


إذا أعجبك الموضوع فشارك به أصدقااءك وصديقاتك في الفايسبوك
Share


 

توقيع zaizon

منتدياات حد الغربية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
 

قصص الأنبياء

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

نرجوا أن يكون ردّك على الموضوع بصيغة جميلة تعبر عن شخصيتك الغالية عليناا ...مع فاائق التقدير.... ((مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))


صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى حد الغربية  :: ™۝√۩ஹ المنتدى الاسلامي ஹ√&# :: القرآن الكريم-